المبحث رقم ( 1 )
الشعرية الزمكانية في قصيدة طالب عبد العزيز
مدخل : ــ أن الصورة الزمكانية الشعرية تنطلق في عوالم قصيدة الشاعر طالب عبد العزيز من تصور يقر بإمكانية الأنتقال من خطية دال كلي يحيل بشكل إيحائي على مدلول كلي حيث يقود واقعة النص الى القرائية الدوالية ثم الى استخراج محط المقروئية المدلولية الوظيفية المعبرة نحو صورة زمكانية تحكي مزايا الإرسالية القصدية في النص و على نحو تبدو القصيدة و كأنها تعددية دوالية من حيث التركيب و الاشتغال و الابعاد الدلالية المتصيرة ضمن موقعية تنقل حافزية القراءة الهواجسية نحو جودة المنتوج الشعري الرصين في شكله الاجمالي .
أــ الإرسالية الزمكانية في واقعة النص :ــ
من الواضح و اللافت إن الراوي الشعري في قصيدة طالب عبد العزيز اتجه إلى تأسيس هوية المكان الذهني بمعنى أنه وضع المناخ الشعري للقصيدة في حالة نوعية مكانية من شأنها توصيف حساسية الأمكنة و على نحو راحت تحاكي مراوية مخيلة الشاعر التي أخذت بدورها من علامة المكانية
مبعثا نديا رحبا في تمظهرات الوظيفة القصدية في نصه . فالمكانية و الزمانية في نص الشاعر بمثابة الذاكرة / المركز / القصد / الدلالة . إذ ينتخب الشاعر من خلالها محصلات ذهنية التصور على حسية التأمل و الشرود و التوحد مع الذات الواصفة و المعلقة في أتون المعنى الدلالي و الموضوعي في منطقة الواقعة الصورية و التشكيلية التي تتجذر في الإيقاع و المكان و الحدث الشعري المركز :
لم يباغتنا النخل ، نحن استعجلناه على الأنهار
بأبي الخصيب .
يتمظهر الإيقاع الزمكاني في دوال شعرية الحال تمظهرا حسيا يخضع في تشكيله لآلية تراسل العلامات : ــ ( لم يباغتنا النخل ) بيد أنها من جهة ما راحت تحاكي الصفة الأحوالية في الصورة الزمكانية القادمة من فضاء ( يباغتنا / النخل / الأنهار / أبي الخصيب ) فيما راح يتحول الأنتماء الزمكاني في الواقعة الشعرية الى رقعة فعلية ممسرحة تنفتح على المحيط و المدلول و الفضاء انفتاحا يتلاءم مع سيرة هوية المكان / الزمان قبل أن يتجه الى وظيفة الفضاء الأحوالي القريب من دلالات شعرية القول .
لا تطوي المرآة الشجر في الطريق الى بيروت
مائلة ، تنسحب الصورة حتى البحر ،
أن الابعاد الزمكانية في قصيدة الشاعر تبدو تصورا كليا ذو محاور أربعة : زمكانية في اطار اللأفعال و العوامل و معطياتها التي تقع ضمن ابعاد قصدية معينة .. و زمكانية الخطاب في المكونات البوحية الموصولة بوظائف مفهومة ضمن سياق عام هو زمكانية النص .. و زمكانية النص في العلائق السياقية الشاغلة بين الدوال المتعددة وصولا الى محصلة الدليل الخاص . و زمكانية المعنى في فهم هيمنة العلامات الترميزية على سائر العناصر و المكونات و وظائفها و مستوياتها لأجل تحقيق ما يصل الى المتلقي من معنى شعري . وهو في جوهرة معنى جمالي . فالزمكانية في المعنى الشعري كحالة تأثيث المحورية و المتصلة بالانتقالات الاحوالية التي يجتهد الشاعر في تشييدها ضمن سياق المروي الشعري العام و الخاص وصولا منه إلى قابلية محفزات المعنى الابعادي المتبدى في تمظهرات فضاء النص . و ربما جاءت الزمكانية في بناءات النصوص الشهرية لدى الشاعر ضمن صدورية إيحائية غير مباشرة تعبر عن بنية المركز الخطابي و السياقي إجمالا و ذلك لأن تأثيرهما الزمن / المكان عاملا حاسما في كيفية سرد الفاعل الشعري المهيمن . بمعنى ما أن الزمكانية تشكل عاملية مستحوذة على
أفعال الذات و النفس و التمظهرات التكوينية في حدوثات فاعلية النص .
ب ــ الفعل الشعري و حبكته الزمكانية : ــ
الفعل الشعري هو الإجراء الفني و الاشتغالي الذي يؤديه الشاعر عبر الخطاب و السياق .. وهو في القصيدة غيره في الأساليب الأجناسية الأخرى .. و الفعل الشعري في القصيدة ترتفع فيه فاعلية الحبكة الزمكانية فيما ترتفع فيه بالمقابل لغة العلامة و معطياتها الشفروية أو الرمزية وصولا الى تلك التصويرية الزمكانية التي يحتفي بها المعنى المخصوص في مجليات واقعة النص :ــ
الصورة تنزلق طرية من عين الكاميرا
فأهزها في الريح ، تتضح أكثر
أتأمل البحر أزرق مسرعا في الغياب
البطيء للشمس ،
فلا أرى الحرف الكوفي إلا مائلا
تقول السائحة :
أكان العرب هنا ؟. فأقول : لا
كان السلاطين هناك .
تقوم فلسفة تأويل النصوص أساسا على آلية المحتمل القصدي ــ أي بمعنى ما ينبغي لأي تفسيرية ما أن تكون بالأساس احتمالية مقصدية وحسب .. بل عليها أن تكون أكثر احتمالا من تفسيريات مرادفة أخرى .. و كلما تفوق الفعل الشعري في مجريات أحتمالاته المؤولة أصبح الانفتاح القصدي مرهونا على كفة من الاحتمالات المنتخبة للعمل بالنظر الى طبيعة حبكته الاحوالية و الزمكانية و النفسانية و العلاماتية . و تبعا لهذا الأمر نواجه تمثلات مظاهر الزمكانية في دينامية حراك احوال موضوعة كيان النص فنجدها أكثر إيغالا في مواضعات الزمان و المكان و التي تؤلف في خطاب القصيدة مجالا مؤولا لأستيعاب فعل القراءة تبعا لأن الزمكانية بتموجاتها داخل بنية أصوات النص الحبكوية تعد بمثابة الركيزة الأساس لحركة الأحداث القولية في تشكيل التأويل النصي : ( الصورة تنزلق طرية من الكاميرا / فأهزها في الريح / تتضح أكثر / أتأمل البحر أزرق مسرعا في الغياب .) هذه المسافة القولية في حراك الدوال الاحوالية / الزمكانية هي التي تشكل بؤرة الفعل الخطابي الذي يسمح لأدوات القراءة بكشف منظور الشاعر القولي الفاعل في مدلوله الرسمي : ( الصورة تنزلق طرية من عين الكاميرا ) أن الدال المتمثل بـ ( الصورة ) يعد بمثابة الإمعان والتدبر في مستواها الأحتوائي الأكثر حفظا و إشكالا في شكلية المنظور العلاماتي ، حيث تخضع الصورة
بقدر معقول من الأساس الزمكاني لحدود جدلية الرمز التوصيفي الموظف شعريا . وهذا المستوى الدلالي لدال الصورة راح يشكل بدوره جانبا من معرفة انفصاله الخطي عن موضعية ألتقاط حالات الأشياء الزمكانية / الاحوالية عن طريق دال ( تنزلق ) و بهذه المساحة الواقعة بين فعل التصوير ــ الصورة ــ و سقوط الرؤية المستوية عن عين الراوي ما هي إلا تلك الاستحواذية على أفق انتظار عياني معين أو هي بمثابة التعديل في مجرى المنظومة الاحوالية التي من خلالها يتم بلوغ المستغلق الذي لا تنفع معه سوى عين الكاميرا التسجيلية . و ذلك لأن الدال الشعري في الخطاب قد أضحى متجاوزا في بناء مراحله الأولى لنتبين من خلاله أمكانية المؤول المتمثل بجملة ( فأهزها في الريح / تتضح أكثر ) و بهذه الشكلية الالحاقية و تجلياتها في الشكل التصويري تتسع لنا قراءة الدلالات الزمكانية و ما يقع على عاتقها من مؤهلات الانخراط عمليا و موضوعيا داخل منطلقات التلقي .
( الشعرية الزمكانية رؤية لأستكمالية المعنى القصدي )
أن الشعرية الزمكانية في تمظهرات عاملية و مكونات و بنى قصيدة الشاعر طالب عبد العزيز ما هي إلا تلك (الرسالة / الشفرة ) من العلاقة التأويلية في سياق أحوالية النص الشعري وهي تنبع من داخل وحدات عضوية و توليدية متكاملة غير قابلة للأختزال أو القراءة المختزلة . بل
أننا وجدناها و في جل مجموعات الشاعر ( تاسوعاء / الخصيبي / تاريخ الأسى / طريقان على الماء واحد على اليابسة ) تشكل بذاتها تلك الحركية الزمكانية التي من شأنها تعضيد دلالات انتاج خصوصية و ظرفية ( المكان / الزمان) و بتوسيع أيقوني ملفت في شعرية موجهاته التأويلية المتداخلة .. فيما تكتفي بعض نصوص الشاعر في إعادة بناء ظروف الإحالة الظاهرية للقراءة لتدعيم سلطة التوصيف و المرجع الأحوالي التابع لصوت الشاعر و ذاته المراوية للأشياء انعكاسا بطريقة البوح الإرسالي المحدد بصوت و مؤشرات المتكلم الراوي كحال قصائد مجموعة ( تاسوعاء ) و قصائد مجموعة (تاريخ الأسى ) . أما الحال في مجموعة قصائد ( طريقان على الماء واحد على اليابسة ) فإنها باتت تشكل بذاتها انشغالا مباشرا بما تلتقطه عين و مخيلة الشاعر من حالات و تحولات ظاهرية تترشح من اليومي من حياته الشعرية الخاصة . و أخيرا أجدني أقول بأن القاسم المشترك بين مجاميع الشاعر هو ذلك الواقع التوصيفي المهيمن بالتركيز على المسافة المكانية و الزمانية حيث تنتج لنا بالتالي ذلك الأستقلال الدلالي الاخآذ للنص الشعري المركب في ظل فضاءات و تكوينات شعرية القصيدة الزمكانية في تمفصلات قصيدة الشاعر .