23 ديسمبر، 2024 5:48 م

يمّه..(سليماني) خوفني !

يمّه..(سليماني) خوفني !

*ماالذي جرى بين الملك (فيصل الأول) والشاه ( رضا بهلوي) ؟
*ثقافة فاسدة لن تنال من وحدة العراقيين ووطنيتهم!
*لن يتحول العراق إلى( حديقة خلفية ) لإيران !
*جربوا حظكم ثانية ..ان لم تعتبروا بالماضي القريب !

تقول الحكمة ..أن معظم الحاضر يرتبط بالماضي.., وعندما نضيف إلى ذلك الثقافة الاجتماعية المستندة إلى الإرث العقائدي أو الديني , فان الأمر يأخذ صفة الأبعاد الإستراتيجية !

الذين غضبوا من تصريحات ( قاسم سليماني), لهم كل الحق في ذلك ! لجملة من الأسباب الموضوعية, في مقدمتها أن هذا السفيه, الذي لم يدرس التأريخ جيدا ,وقد أخذ ب ( الطنطنة) التي تشد السياسيين الإيرانيين المتشددبن, الذين يخضعون سياساتهم إلى مسافات لن تطول أكثر من أطوال أنوفهم !

ثقافة فاسدة

ولاشك في أنهم كما تتضح سياساتهم, يبتعدون كثيرا عن الواقع ! وهذه السياسات ترتمي كما يريدون لها, في أحضان التثقيف الغيبي ,الذي كان أحد الأسباب الواقعية والموضوعية, لهدف ( تصدير الثورة ), الذي جعلهم كما جعل مليون عراقي وإيراني يلفهم الموت ,كما جعل قدراتهم العسكرية الموروثة من نظام الشاه, تمزق ( شذر مذر), رغم أن بضعة خطوات متقدمة, حسبت لهم في مجريات المعارك الضارية, خلال تلك الحرب, التي لم يتوانى قادتهم, عن زج مئات الأطفال الإيرانيين في أتونها ,كمقدمات لتفجير حقول الألغام ,على الحجابات الأمامية, في معارك (الشوش والمحمرة والطيب والفكة) , بالأضافة الى استنزافها قدرات وأموال هائلة تطلبها الأنفاق على الحرب, حتى أنهم بعثوا الحياة في عقود سابقة للتسليح ,كان قد عقدها (شاه إيران ) مع (إسرائيل) .. ولم تستطع العقليات التي وقعت في فخ تلك الحرب, التفكير بمؤثراتها السلبية المدمرة ,على الشعبين , والتي خلقت قيادات متشددة, لمّا تزل تقود السلطة في (إيران) ,مضيقة الخناق على التيارات الإصلاحية, التي يكمن مستقبل (إيران المعاصرة) , في مبادئها ونتائج ممارساتها وفعالياتها الفكرية. 

سلسلة المصائب!

ولايمكن لنا بالطبع إغفال تلك المصائب, التي ألحقتها هذه الحرب بالعراقيين, والعراق كدولة ,حيث كانت نتائجها أحدى المقدمات الأساسية, في نزعة (التفوق), التي انتشى بها النظام السابق, والتي خيّلت له بلع ( الكويت) ,من دون شربة ماء ,ستجعله إمبراطورا للنفط , كما صرح بذلك سعدون حمادي احد كبار القادة, أبان تلك الفترة ! ولكن (حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر) ! ودعيت تلك الحرب ب(الحرب المنسية), وتلك حقيقة ثابته, أرادت من خلالها الأدارات الأمريكية والبريطانية والغربية بشكل عام, أنهاك القوتين الإقليميتين في إيران والعراق ,واستهلاك المزيد من الأسلحة الغربية, إضافة إلى البضائع التي تديم الحياة في الظروف الاستثنائية , إلى جانب أيجاد مناطق النفوذ السياسي والعسكري, في المنطقة التي كان بنتيجتها توفير الظروف المناسبة, لتفجير الأزمات الكارثية المدمرة, والغزو المتدرج للمنطقة .. وهاهي القوات والأساطيل الأمريكية والغربية ,تجثم على صدور أبناءها,  مستغلة ثرواتهم ,وقاطعة عنهم سبل الحياة, إلا بشروطها وموافقاتها, ولاشك في أن كل ذلك قد حصل, بعد تدمير قدرات (العراق وإيران) العسكرية ,ودفع قادة المنطقة المتهورين, إلى ارتكاب الحماقات, التي يصبح بعدها الإصلاح, أمر من المستحيلات , ويخلق الذيول الناشئة عن تلك الحروب ! في الوقت الذي كان يمكن تطويق تلك الحرب منذ الأسابيع الأولى حين أدرك صدام حسين ,أن انتصاره أمر مستحيل, كما أفصحت عن ذلك الوثائق الأمريكية التي نشرت, بعد ذلك التأريخ !

اليوم ..وبعد ثلاثة عقود من ذلك الزمن الصعب ,الذي عاشته إيران, كما عاشه العراق, لم يستفد قادة (إيران) المعاصرون من تجارب الماضي ! فيما فرضت مصيبة الاحتلال, بعدا للعراق, عن نزعة الحروب الخارجية. لتتحول هذه الحروب إلى الداخل , وتلك إرادة أمريكية إسرائيلية, لاتخلو من أصابع إيرانية بنكهة طائفية ! في وقت وجد المال السعودي هو الآخر من يخرب مفهوم (وحدة العراق), المستفزة في حقيقة الأمر, لجميع دول الجوار العراقي !

حضارات سادت ثم بادت!

ليس من الحقيقة في شيء إنكار تشعب وعمق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التأريخية بين العراق وإيران, نتيجة لظروف موغلة في القدم, ربما تعود في كثير منها ,الى الغزوات والسيطرة (الساسانية والفاطمية )على المنطقة , وكل ذلك مفهوم من الناحية (الجيوبوليتيكية), ولكن ذلك الزمن قد ذهب من غير رجعة, انطلاقا من مقولة ( حضارات سادت ثم بادت). وإذا صحت المفاهيم والعقد السياسية والمذهبية, التي تشد السلطات الإيرانية الراهنة, في نظرتها وسياساتها, حيال المنطقة العربية المحيطة بها,فان رابطا حدوديا بحريا وبريا يمتد لأكثر من 1400كم , يوجب عليهم اتخاذ سياسات لاتتقاطع مع العراق الجار, منذ آلاف السنين , ومن غير المفيد لأصحاب تلك السياسات  بقاءهم واهمون, ومأخوذون أيضا بإسقاط (النظام الوطني العراقي) , الذي قدمته لهم الإدارة الأمريكية ,على طبق من ذهب !وهو النظام الذي لايمكن لنا ولغيرنا من أحرار العراق , نكران مآسيه ومظالمه ,التي ألحقت بالشعب العراقي, وتسببت في الكثير من خسائره التي لاتعوض, جراء ( نرجسيته), ومراهقته السياسية, وتفرده في القرارات الإستراتيجية ! ألا أن أي مؤرخ أو منصف, لابد له من القول ,أنه كان صمام الأمان بوجه تلك النزعات الهادفة ,إلى الامتداد والسيطرة على المحيط العربي,سياسيا وجغرافيا, التي ما انفكت العقلية والثقافة الإيرانية, المستلهمة للعنجهية الفارسية ,تدفع باتجاه استدعاء أحلام الماضي, إلى الواقع المعاصر المعاش, من دون النظر, إلى أن اليوم, قد اختلفت فيه وسائل السيطرة ,والزمن قد حمل فيما حمله, متغيرات  جوهرية كثيرة ,في مقدمتها وسائل القدرة العسكرية الحديثة ,وموقف المجتمعات من المعلومات, وتوازن القوى العسكرية والسياسية, الذي تتحكم به الدولة (القطب الأعظم), بالإضافة الى أن أهداف وأماني الشعوب في المنطقة ,هي غير تلك الأماني الغارقة في (السبات والأحلام اللذيذة) , وأن المتمنيات لاتأت بلسان طويل, أو ب( ببروغندا), تحاول لي الحقائق, والقفز على التناقضات !

الرهان الخاسر!

وإذا كانت السلطة الإيرانية الراهنة, قد راهنت أو تراهن على وجود مجموعة من العراقيين ,الذين سلمتهم الولايات المتحدة وحليفاتها السلطة في العراق, من الطائفة الشيعية, التي تجد أنها (ظلمت على عهد النظام السابق, وأن من حقها استلام الحكم في العراق وتسييره وفق رؤى مذهبية صرفة ) ,والتي تتطلب فيما تتطلبه ,(التماهي والتأثر بالمواقف والسياسات الإيرانية),ذات الأهداف القريبة , وتلك الأكثر خطورة وهي البعيدة ..فأن على الإيرانيين أدراك جملة من الحقائق الموضوعية ,غير بعيدة عنّا, تكمن أساسياتها في :

* العراقيون في غالبيتهم, وعلى اختلاف أعراقهم وعقائدهم الدينية والسياسية  والمذهبية, لايمكن لهم الوقوف إلى صف أية جهة أجنبية تنال من العراق ! وإذا كان هناك من يراهن على إن العراقيين سيقفون إلى جانب جهة أجنبية, استجابة لدواعي عرقية أو مذهبية أو دينية فانه واهم !. وإذا ماقال قائل .. العراقيون لم يدافعوا عن نظام صدام حسين بوجه الاحتلال الأمريكي!  فأن عودة بسيطة إلى الظروف التي سبقت الاحتلال الأمريكي, والأخطاء التي وقع بها النظام السابق, وما أعدته الإدارات الأمريكية المتعاقبة المتأثرة بالعقيدة الصهيونية, من مخططات متواطئة, مع الأنظمة العربية الفاسدة الحاقدة على العراق , التي جرى تغيير معظمها ,فيما تنتظر الأخرى التقسيم والتشظية والسقوط أيضا.

 *مقاومة المحتل والجلاء!

لقد جعلت كل تلك العوامل من المواطن العراقي في انتظار أي تغيير, يمكن أن يحدث, أملا في تصويب المسار! ولكن في الوقت نفسه لم يقل العراقيون (. .اذهب أنت وربك قاتلا ..انا ها هنا قاعدون ) !, بل قدمت قوى مقاومة الاحتلال, نماذج فذّة في مقاومة المحتل, وأذاقت عناصره الموت, في كل مدن وقصبات العراق ! مما عجل في جلاء القوات الغاشمة !

*غطرسة (رضا بهلوي) تجاه الملك ( فيصل الأول)!

لانريد لجهدنا التحليلي والإعلامي, أن يصب الزيت على نار التجاذبات والمعضلات القائمة بين العراق وأيران ,في هذا الوقت الحساس بالذات, ولكننا ندعو القاريء الكريم الى تقليب صفحات أول وأخرلقاء جرى بين( رضا بهلوي), شاه إيران الأسبق ,لدى زيارة الملك( فيصل الأول) مؤسس الدولة العراقية ,في عام 1932 إلى طهران, وكيفية استقبال ذلك الشاه المتغطرس لملك العراق  العربي الهاشمي, حيث وصف من قبل المؤرخين بأنه ( قد عبر عن عنجهية فارسية مقصودة) , استاء منها الملك العراقي الجديد ,الذي قرر عدم زيارة إيران ثانية, وعدم دعوة شاه إيران لزيارة العراق! ناهيك عن أن إيران لم تعترف بالحكومة العراقية المؤسسة عام 1921, الا بعد ثماني سنوات , بالرغم من عمق العلاقات وتشابكها بين المجتمعين العراقي والإيراني  والمؤثرات المذهبية بين الشعبين ! ولم تفض تلك الزيارة إلا إلى توقيع (اتفاقية لتبادل المجرمين), في وقت بقيت فيه الكثير من المعضلات القانونية من دون حل ! حتى الوقت الراهن ..كل ذلك بسبب من النظرة الشوفينية الفارسية, للعرب, وللعراق خاصة !

*العراق ليس ( حديقة خلفية ) لإيران!

أن المتصفح للعلاقات العراقية الإيرانية, منذ ذلك الوقت, وفي ظل كافة الحكومات المتعاقبة ,على كل من العراق وأيران , سيجد أن هناك كثيرمن الاعتداءات الإيرانية على العراق, تمثلت في جوانب تفصيلية منها, بالمشاكل المثارة في (شط العرب) ,والمناطق الحدودية في القاطع الأوسط ,وبمساندة وتأليب المتمردين الأكراد ,وبمساعدة أية إجراءات ضارة, بأمن وسلامة العراق !وقد اتسمت تلك السنوات الطويلة , بالجفاء الدبلوماسي والسياسي الذي طبع سياسات حكومات إيران تجاه العراق, ولم تستطع العلاقات التاريخية الايجابية بين الشعبين, الحد من تلك السياسات, التي تنظر بعين العداء إلى العراق , مع أن العراق كان على الدوام , مستوعبا ومتلقيا لنتائج تلك السياسات, بروح من التسامح  وامتصاص الصدمات !

*أن على السياسيين الإيرانيين الراديكاليين, توجيه عداءهم إلى الولايات المتحدة ,ونسيان (أن العراق مثل حديقة خلفية لإيران) , والأنطلاق بسياسات جديدة, تحترم الجوار والعلاقات التاريخية الدينية والمذهبية والاجتماعية .فلن يكون العراق حديقة خلفية لإيران, وموقعا لنفوذها التوسعي, حتى بوجود كتل سياسية تدين بالوفاء لإيران, نتيجة لاعتبارات مذهبية !..فهذه كتل من مجموع الشعب العراقي ..والعراقي لن يتخلى عن ثوابته الوطنية, مهما تكالبت الظروف الطارئة, التي تشكل شذوذا عن القواعد السياسية ومباديء العدل, والعلاقات التي يفرضها القانون الدولي ..نعم أن من جميل أحلام الإيراني المتدين, وهم يشكلون غالبية الشعب الأيراني.. زياة العتبات المقدسة لآل البيت , ومهما تقلب السياسيون الإيرانيون في أحضان أحلامهم, فسوف لن يجدون شعبا إيرانيا معاديا للعراقيين , وعليهم عدم نسيان أن من أفضل (التبريكات) لدى العائلات الإيرانية, الزواج في مدن العتبات المقدسة العراقية ,وذلك كسمة من سمات ( المثيولوجيا) الأيرانية !

* ان اعتذار الخارجية الأيرانية وتبريراتها لتصريحات ( سليماني ) يعبر في حقيقة الأمر عن أدراك متأخر للخطأ الجسيم الذي أرتكبه هذا المسئول الأيراني , حيث واجه الاستنكار حتى من قبل الكتل التي كان هذا المتفوه, يظن أنه سيسعدها بتصريحه الأهوج ذاك ! لعل ذلك كله يؤدي بأمثال ( سليماني ) الى الوعي بحفاظ العراقيين على ثوابتهم الوطنية, في مواجهة ما يزعم من ولاءاتهم العرقية والمذهبية والطائفية ,على حساب الولاء للعراق !

ورود الكلام ..

ربما لايبدأ الحب بنظرة, فسلام, فموعد, فلقاء ..يمكن للسمع  والنظر, في خيوط وهمية , أن حققا حبا , ولكنه حب, يحمل الغم والهم, ولايفض إلى نتيجة !
[email protected]