حينما نسمع قول الشاعر :
لسانك لاتذكر به عورة امرء فكلك عورات وللناس أعين
نشعر وكأن الشاعر يسدد سهامه نحونا ظلما ,وعدوانا , فكل واحد منا على قناعة كاملة وثقة بإنه بمنجى من العيوب والعورات فكيف يوجه الشاعر خطابه لنا بقسوة في قوله”كلك عورات”! ؟ رغم قناعتنا بأن الكمال لله والإنسان معرض للزلل , “وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم”
وخلال متابعتي لأحد البرامج سمعت المحامية مريم الريس تتحدث عن تمرين رأته خلال زيارة لها للهند يقوم على تقسيم المشاركين الى عدة مجاميع وعلى كل عضو من أعضاء المجموعة أن يتحدث الى أعضاء مجموعته عن أربعين عيبا بشخصيته وعشرين ميزة
بالنسبة للميزات عندنا فما أكثر ما نتحدث به, لكن من منا يتحدث عن عيوبه للآخرين بصوت عال؟؟
وبالطبع كل شخص يرى للوهلة الأولى إنه تمرين سهل , وبخاصة إذا قمنا به سرا مع أنفسنا ولكن المشكلة ليست في التحدث للآخرين عن تلك العيوب أو حفظها في صندوق سري !! بل المشكلة في إننا لم نعتد على مكاشفة الذات حتى لو كنا مع أنفسنا
لذا قلت لأجرب هذا التمرين مع نفسي , بخاصة أن العيوب ليست سوى أربعين عيبا فقط !! فشمرت عن ساعدي جرأتي وأعددت العدة لتعداد ذنوبي مستحضرا قول الشاعر”كفى المرء نبلا أن تعد معايبه “
وأول شيء فعلته أحضرت ورقة وقلما وفكرت طويلا , تخيلت نفسي أقف وسط مجموعة من الأصدقاء لأكشف لهم عيوبي , فشعرت بحرج شديد , تساءلت :من قال أن المجموعة التي تقوم بالتمرين تربطها صداقة؟ ربما قانون اللعبة ينص أن يكشف كل فرد عيوبه لأفراد من مجموعة من الغرباء , أزحت من مخيلتي وجوه أصدقائي الذين استحضرتهم ووضعت بدلا منها وجوها غريبة , عندها هدأ روعي وبدأت الحديث عن عيوبي بكل رباطة جأش , ذكرت العيب الأول ثم الثاني ثم الثالث وتوقفت , انتبهت الى نفسي أحسست أن درجة حرارة جسمي قد ارتفعت ونشف ريقي , قمت من مكاني لأرتشف كوبا كاملا من الماء البارد وكأنني كنت أركض لا أن أجلس وحدي على كرسي وراء طاولة عليها ورق ووجوه تستقر في المخيلة , انتبهت أن العيوب كانت قد دونت على ذلك الورق , لذا سارعت الى شطبها لئلا يعثر عليها أحد وللجدران آذان وعيون أيضا !!
قلت :علي ّ ان أكتفي بذكر الأرقام فقط
وعدت ثانية لأدوّن :1 , 2, 3, 4, 5,
وتوقفت!
ثم قمت بتمزيق الورقة بعصبية وكأن شخصا يسبني ويكشف عن عيوبي لا أنا من يقوم بهذا “العمل التطوعي ” ومن تلقاء نفسي
وتساءلت:ما الذي جعل كل ماجرى يحدث لي ؟
هل حقا إن عيوبي قليلة الى هذا الحد؟ أم أننا اعتدنا منذ طفولتنا التكتم على عورات الذات وخنقها رغم إن هذا الخنق لا يلغيها ولا يمحوها وانما يبقيها مستقرة في العقل الباطن بدون علاج, وعلى فكرة فإن الغاية من التمرين هي علاج تلك العيوب فالهنود يعتقدون إنهم بمجرد الكشف عن تلك العيوب فإنهم يتحررون منها وكأن العيب هو جسم شاذ او روح شريرة تدخل جسم الانسان وهذا التمرين كفيل بطرد تلك الروح أو اخراج ذلك الجسم الغريب لتظل النفس نقة صافية بمنجى من الذنوب :
نعيب زماننا والعيب فينا
وما بزماننا عيب سوانا
وبالطبع هذا التمرين يحتاج الى اعادة برمجة للذات , وعليه يجب أن تبدأ منذ الطفولة والانسان مجبول على الخطيئة وفي ذاته تتصارع قوتان هما الخير والشر ولكننا نشأنا هكذا ننكر العيوب و ترسخت بداخلنا قناعة بأننا فوق الأخطاء والعيوب والزلات , وان وجدت فنضعها في صندوق مقفل حتى تستفحل وتكبر
لذا من الطبيعي الا نقبل الرأي الآخر , ومن الصعب تقبل النقد الذي يوجه الينا ! وهي قناعة تدل على تضخم الذات ونرجسية وكان لابد من ترويض الذات وتمرينها على المراجعة والكشف عن العيوب وتجاوزها عملا بقول المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام