وجد أردوغان وقيادته حلا لمعاناة وأزمة سياسية عصفت بالحكومة التركية وهي تتخبط في عدم نضج ووضوح تعاملها مع ما يدور في المنطقة من أحداث متسارعة وحاسمة .. فسوريا دخلت في حرب أهلية قد تطول أعواما أخرى كان الأتراك أول المشجعين والداعمين والمؤيدين لإستمرارها وفي العراق حرب من نوع آخر بعد أن أيقنت الحكومة التركية أن الساحة العراقية هي الموقع الأفضل والأنسب لمطاردة الدواعش وتحول الأراضي التركية في وقت سابق إلى نقطة العبور الأساسية للمتطوعين بالقتال مع داعش بحجة القتال إلى جانب قوى المعارضة السورية لإسقاط نظام بشار الأسد..
مشكلة القيادة التركية أنها تتخذ قرارات متسارعة غير مبالية بنتائجها على المديين القريب والبعيد ، فالأتراك يعتبرون دخولهم إلى منطقة بعشيقة في العراق وتوزيع قواتهم في أرض ليست أرضهم أمرا طبيعيا يتشابه مع تدخلهم في سوريا مع إختلاف الحجم والوقت.. ولا أدري لماذا يذكرني دخول تركيا إلى العراق بغزو العراق للكويت وعدم إختيار الظرف المناسب لتصفية الحسابات التأريخية ما أعتبره بعض السياسيين فخا وقع العراقيون به أدى إلى دخولنا في دوامة قد لا ننجو منها أبدا ! الأتراك كذلك ، هناك من يتربص بهم ويريد أن يهيمن على المنطقة ويسيطر عليها فتعمد عدم الإشارة أو تقديم النصح لهم وهم يتورطون بالتدخل في معضلة تعمدت الدول الكبرى في عدم إيجاد حل لها وإبقائها كما هي لأن حل ما يحدث الآن من صراع في الحرب الدائرة في العراق وسوريا يعني حدوث متغيرات إستراتيجية في النظام العالمي ككل لم تتهيأ لها هذه الدول أصلا وكما قدم مستشارو الرئيس أوباما تقاريرهم حيال ذلك ! بقيت تركيا غير مدركة لما يحيط بها من أحداث معتقدة أن إخلاء الساحة التركية وإفراغها من المسلحين المتطرفين ودفعهم بإتجاه العراق وسوريا سيؤدي إلى التفرد بالمعارضة الكوردية وإستمرار محاولة التخلص منها ودفعها إلى بلدان أخرى كالعراق وسوريا وإيران .. لكن الأمور إنقلبت على الحكومة التركية وهم يرون حلفاءهم يتخلون عنهم غير مبالين إلا بقتال المتطرفين الدواعش وتحويل تركيا إلى ساحة للتبادل السياسي والدعم اللوجستي لخطين .. الأول في العراق وهو واضح لا غبار عليه ، ما أثار الأتراك ودفعهم إلى توزيع قواتهم في بعشيقة على أمل الحصول على مكسب مستقبلا والثاني وهو الأهم.. في سوريا وحيرة السياسيين الأتراك ووقوعهم في أخطاء لا تغتفر لعل من أهمها السماح للإرهابيين من كل دول العالم بالتنقل عبر الأراضي التركية بحرية.. فوقع ما لم يحسب له أردوغان حسابا وهو الإعتراض الكبير لسياساته في داخل تركيا فأسقط أردوغان بعد منتصف الليل وأعاده أعضاء حزب العدالة والتنمية في الصباح !
إنقلاب لم ينجح لكنه وضع النقاط على حروف كثيرة وهي أن السياسة التركية لم تكن صحيحة في تعاملها مع المعطيات المفترضة لواقع تتداخل فيه الإحتمالات فما خاف منه الأتراك حدث .. حزب العمال الكوردي المعارض نجح أردوغان في التقليل من عملياته في جنوب شرق تركيا وإنتقل معظم مقاتليه إلى العراق وسوريا لكنهم بدأوا بالتخطيط لإقامة إقليم في سوريا يكون نواة لإقليم آخر أو دولة كوردية قد يعلنها أكراد العراق بعد حسم المعركة مع داعش ! أما الجبهة التركية في الداخل فقد أصبح إستقرارها من حكايات الماضي مع إستمرار وتكرار ضرب المصالح التركية وعمليات التفجير والخروقات الأمنية وظهور كتل معارضة جديدة لسياسة أردوغان بعد فشله في التعامل المنطقي مع أحداث العراق وسوريا.. لا غبار على تحركنا الجديد .. كما يقول أحد السياسيين
المرافقين لرئيس الوزراء التركي يلدرم و هو يزور العراق قاطعا وعدا لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالإنسحاب من بعشيقة وعقد إتفاق ستراتيجي بين البلدين؛ في خطوة جاءت بعد نصيحة أمريكية- روسية بأن تغير تركيا سياستها الخارجية كليا وتحديدا مع دول الجوار لأن المستقبل مليء بالمفاجآت ، لعل بعضها من العيار الثقيل فكان لابد من العودة إلى المنطق والرضوخ لما تمليه الدول الكبرى عبر مصالحها وضرورة نزع أردوغان لقناعه القديم والكف عن التلويح بيد فارغة للتدخل والإكتفاء والوقوف على الحدود المرسومة من أمريكا وروسيا لأن تجاوزها بلا إستئذان قد ينقل الحرب عما قريب إلى داخل أنقرة !
ولله الأمر