15 نوفمبر، 2024 9:28 ص
Search
Close this search box.

بعد زيارة الجبير.. هل تبدأ التسويات من بغداد؟

بعد زيارة الجبير.. هل تبدأ التسويات من بغداد؟

من الطبيعي جدا ان تثير زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للعراق، جدلا واسعا، بين مؤيد ومرحب بها، وبين من رافض ومنتقد لها، وهذا امر متوقع، نظرا لطبيعة العلاقات العراقية-السعودية الملتبسة والشائكة، لاسيما بعد الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، وكذلك نظرا لحالة الاستقطاب السياسي الحاد بعناوين طائفية-مذهبية في المشهد السياسي العراقي العام.

المرحبون والمؤيدون للزيارة، يرون ان السعودية طرف عربي واقليمي له ثقله واهميته في المنطقة، ولابد ان يكون للعراق معها علاقات طيبة، ويرون، ان هذه الزيارة، تنطوي على رسالة-او رسائل ايجابية-ينبغي استثمارها بأفضل صورة، فضلا عن كونها تمثل فرصة لطرح ومناقشة كافة الاشكالات والنقاط الخلافية بين الطرفين بكل وضوح وصراحة، الى جانب ان زيارة الجبير وتصريحاته الداعمة للعراق، تعد اقرارا ضمنيا بخطأ السياسات والمواقف السعودية السابقة حيال العراق، والسعي الى فتح صفحة جديدة معه.

اما الرافضون والمنتقدون، فينطلقون في رفضهم وانتقادهم من حقائق ومعطيات من نوع اخر. من قبيل، ان المملكة العربية السعودية كانت ومازالت احد ابرز خصوم واعداء العراق، واكثر من تامر عليه ودعم الجماعات الارهابية التي عاثت في مدنه واسواقه ومدارسه ومساجده وكنائسه قتلا وتدميرا وتخريبا، وفي دعم وتعضيد كل التوجهات التكفيرية، التي كانت سببا في احداث الفتن وزرع الفرقة بين ابناء الشعب العراق.

ويرى الرافضون والمنتقدون ايضا، ان المبادرات السعودية السابقة حيال العراق، لم تثمر عن شيء، لانها لم تكن صادقة، ويستشهدون على ذلك بتعيين الرياض اول سفير للعراق قبل حوالي عام ونصف بعد قطيعة دبلوماسية امتدت الى حوالي ربع قرن، بيد ان وجود السفير السعودي، ثامر السبهان، في بغداد زاد الطين بله، وعقد المشاكل والازمات بدلا من ان يحلحلها ويحلها، لتنتهي الامور الى طرده، وطلب أستبداله بشخص اخر.

ويرى هؤلاء ايضا، انه كان بأمكان السلطات السعودية العليا ان تطلق رسائل طيبة للعراق، تمهد لزيارة السفير، لا ان تسبقها بتصريحات وحملات اعلامية وسياسية مسيئة للحشد الشعبي، من خلال اتهامه بالطائفية، وارتكابه جرائم ضد المدنيين، وارتباطه بجهات واجندات خارجية.

ولاشك ان حجج كلا الفريقين قابلة للبحث والنقاش، وهي تلامس الواقع، بيد ان القول بوجوب التهليل والترحيب بزيارة الوزير السعودي، والدعوة الى فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الرياض، دون فتح كل الملفات الشائكة، والقضايا العالقة، والاتفاق على مسارات واضحة، تفضي الى نتائج ايجابية ملموسة لكلا الطرفين، يعد خطأ كبيرا، ودوران في حلقة مفرغة، في ذات الوقت فأن التشبث بأخطاء وسلبيات الماضي، دون النظر الى مايطرح اليوم ومايقال، يعني فيما يعنيه ايصاد كل الابواب امام اية خيارات للتوصل الى حلول او تفاهمات او توافقات بقدر معين، وبدلا من ذلك، الذهاب بعيدا في الخلاف والتامر والتناحر والصراع، وما يترتب عليه من خسائر واستحقاقات مادية وبشرية.

في اوقات ومناسبات سابقة ابدى العراق رغبة حقيقية وجادة في تصحيح المسارات الخاطئة للعلاقات مع السعودية، ولكن الاخيرة لم تتجاوب، وبقيت مصرة على نفس نهجها العدائي، فهناك اعدادا كبيرة من الارهابيين السعوديين جاءوا الى العراق ونفذوا عمليات ارهابية في شتى المدن والمناطق، وهناك الكثير من الاموال السعودية ضخت الى المجاميع الارهابية المسلحة والقوى والشخصيات المناوئة للعملية السياسية، وهناك الكثير من الفتوى التفكيرية التي صدرت عن رجال دين ومؤسسات دينية سعودية ضد شريحة واسعة تمثل غالبية ابناء الشعب العراقي، ناهيك عن الحملات الاعلامية المتواصلة من قبل وسائل الاعلام السعودية الرسمية وغير الرسمية من داخل المملكة وخارجها.

كل هذه الامور، من الصعب جدا غض الطرف عنها ونسيانها بمجرد مجيء الوزير الجبير الى بغداد، وتصريحه بدعم ومساندة العراق في حربه ضد الارهاب، وتبادله الابتسامات والضحكات الدبلوماسية مع كبار المسؤولين في بغداد!.

ولعل الحقيقة التي لايمكن تجاهلها والقفز عليها، تتمثل في ان المحور الذي تعد السعودية احد عناصره، مني بأنكسارات وهزائم في عدة مواقع، خلال الاعوام الستة الماضية، وراحت الامور تتجه الى التسويات بعد نزيف الكثير من الدماء وازهاق العديد من الارواح في العراق وسوريا واليمن ودول اخرى.

وحسابات الارقام تشير بوضوح الى ان خسائر السعودية كانت فادحة، في ظل غياب مكاسب وارباح حقيقية وواضحة في الكفة الاخرى، وهو ما يعني ان المنطق العقلاني يفرض مراجعة المواقف، واعادة النظر في التوجهات، لايقاف نزيف وتداعيات الهزائم والانكسارات.

وبما ان الملفات متداخلة والقضايا متشابكة، فأن الرياض، التي تحتاج الى اعادة ترتيب اوراقها في المنطقة-مرغمة لا مختارة-ربما تجد ان الواقع يحتم عليها ان تطرق ابواب بغداد، وان الظروف والارضيات التي لم تتوفر لها للتوجه مباشرة الى طهران عبر شخص وزير خارجيتها او بمن في مستواه، ناهيك عن الحواجز والعقد النفسية، ليست كذلك مع بغداد، لاسيما وانها دخلت الى بغداد من “بوابة العروبة”.

ومما لاشك فيه ان زيارة الجبير لاتكفي لوحدها في تذويب جبل الجليد الهائل بين بغداد والرياض، واذا لم تتبعها خطوات ومبادرات اخرى جدية مكملة، فأنها ستكون مثل خطوة اعادة فتح السفارة وتسمية السبهان سفيرا لها في بغداد. وكذلك لاتكفي اذا لم تتبعها خطوات ومبادرات اخرى جدية تجاه عواصم اخرى في المنطقة، انطلاقا من حقيقة ان المشاكل والازمات المتداخلة والمتشابكة تستدعي معالجات وحلول مترابطة ومتتابعة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات