في مسيرتهِ الفنية الطويلة التي شهدتها خشبة ُالمسرح في مدينة الموصل والتي تعود بدايتها الى العام 1974 تجاهل الممثل محمد العمر بوعي ٍ واصرار ٍ كل المغريات الماديّة اضافة ًالى الشهرة الواسعة ِالتي يمكن ان يحظى بها فيما لو ارتضى لنفسهِ ان يقايضَ موهبتَهُ بأدوار سهلة ٍالمسافة ُ بينها وبين خداع المتلقي قصيرة جداً ، وآثرَ العُمَر خلال اكثر من ثلاثين عاماً إلاّ ان يكون مُتجَدِداً ومُجَدِداً في عشقه الدائب والدائم للتجريب داخل اطار التمثيل المسرحي بحثاً عمّا يحررُ جسد الممثل من أُطر التعبيرالتي استهلكته ، وذلك من خلال انغماره في عروض مسرحية نخبوية همُّها الارتقاء بمفردات اللغة الجمالية للتجربة المسرحية ..
*المسرح في مدينة الموصل كان المنطلق لمسيرة المسرح العراقي قبل اكثر من مئة عام وتحديدا عام 1882 لكنه ورغم هذا التاريخ البعيد عن نقطة البداية هو الان يعاني من ضعف شديد منذ عدة عقود ويكاد ان يكون هناك غياب تام للعروض المسرحية . باستثناء مايتم انتاجه من قبل الطلبة والاساتذة في كلية ومعهد الفنون الجميلة ، هل يمكن ان تشخص لنا الاسباب والظروف ؟
– من الطبيعي جدا ان يكون المسرح جزء من حركة وديناميكية الواقع الذي تعيشه المدينة فهو يتأثر بها ويؤثر فيها سلباً وايجابا ومن تبنى المسرح في البدايات اي في نهاية القرن التاسع عشر هم الاباء الدومنيكان والمجتمع الموصلي كما تعرف مجتمع محافظ وقد رسم الكثير من الخطوط الحمراء حول هذا الفن وهو لاينظر الى المسرح او العاملين فيه نظرة احترام . فظهرت في خمسينيات القرن الماضي فرق مسرحية قدمت اعمال بسيطة ثم ظهرت في ستينياته فرق مسرحية اخرى منها فرقة نادي الفنون وفرقة الرواد وفرقة المسرح العمالي وكانت هذه الفرق اكثر تخصصا نتيجة وجود عناصر فنية كانت قد تخرجت حديثاً من معهد الفنون الجميلة في بغداد امثال حكمت الكلو وعلي احسان الجراح وراكان العلاف . إلاّ أن تلك الاعمال لم تنتج هوية مسرحية واضحة للموصل كما ينبغي إلاّ بعد ظهور الفنان شفاء العمري حيث قدم منذ ستينيات القرن الماضي وحتى ثمانينياته اكثر الاعمال اهمية من حيث الشكل والمحتوى وتعددت المذاهب والاتجاهات الفنية التي تعامل معها الفنان العمري حتى اصبح اسمه عنوانا للمسرح في نينوى . اما كلية الفنون الجميلة فهي حديثة العهد لكن معهد الفنون الجميلة الذي سبقها في التأسيس فيمكن القول ان في بدايات تأسيسه في النصف الثاني من سبيعينيات القرن الماضي اكثر نشاطا مما هو عليه الان .
*هل لك ان ترسم لنا صورة لمستقبل المسرح في الموصل . هل ستكون استمرارا لهذا التدهور ام ان هنالك مايدعو الى التفاؤل ؟
-ياسيدي ان فايروس التدهور لم يشمل المسرح فقط وانما عطل كل مرافق الحياة لكنني رغم هذا اعود مرة اخرى لاقول ان هذا الوضع ليس إلاّ وضعا مؤقتاً فالمسرح هو جزء من حركة المجتمع الثقافية ، وزهرة واحدة لاتصنع ربيعاً ، وهذا الشعب ، شعبٌ حي ونينوى مدينة ولاّدة للكتاب والشعراء والمسرحيين فمثلما انجبت الشاعر الراحل الكبير سالم الخباز ومحسن عقراوي فقد انجبت الشاعر معد الجبوري ورعد فاضل واملي كبير بالشباب الاخرين من اساتذة وطلبة في كلية ومعهد الفنون الجميلة .
*هل هنالك اسماء معينة من الشباب يمكن المراهنة عليها في البدء بخطوات جديدة تضع المسرح بفاعلية واضحة ومؤثرة في واجهة المشهد المسرحي العراقي . ؟
-بالتأكيد هناك اكثر من فنان ينبغي ان تتوقف وتنصت اليه وتتابع اعماله سواء على مستوى التأليف او التمثيل او الاخراج . ومن الاسماء المؤثرة على سبيل المثال في ميدان التمثيل نبدأ اولا بالشاعر الكبير معد الجبوري ورعد فاضل وناهض الرمضاني وبيات محمد مرعي ومروان ياسين . اما على مستوى الاخراج فقد انجبت كلية الفنون الجميلة اسماء شابة مهمة مثل بشار عبد الغني ومنقذ محمد والفنان د. محمد اسماعيل .
*عادة ماتكون العروض المسرحية التي كنت ومازلت تعمل فيها والتي تستغرق شهورا عدة من التحضير والتمرين عروضا نخبوية لايشاهدها سوى عدد محدود من المتفرجين ولايستغرق عرضها سوى اياما معدودة لاتتناسب مع الجهد المبذول ومع القيمة الفنية العالية التي تحملها . ياترى اين تكمن سعادتك في هذه العروض .. ألا تصاب بالخيبة ومالذي يدعوك الى الاستمرار ؟
-حسب تصوراتي المتواضعة بأن التمثيل والاخراج على الاقل في الموصل هي من فنون الاثر حيث تكون جماليتها تكمن في لحظة ولادتها ومن ثم تصبح اثراً أما التأليف فهي حياة ديناميكية مستمرة مع تقدم الازمنة . لكن المتنفس الحقيقي الذي يشعرني بالسعادة وحب الاستمرار هو ناتج لعشق المسرح والذوبان فيه واشباع الانا الداخلية .
*هل انت مع نخبوية العرض المسرحي ؟
-نعم أنا مع نخبوية العرض المسرحي .
*مالذي يعيق نمو وتطور الحركة المسرحية في المحافظات تحديدا والعراق عموماً سواء فيما يتعلق بعمل الفرق المسرحية او المؤسسات الفنية؟
-يمكن ان يعزى هذا الوضع الى مجموعة من الاسباب منها سياسية واقتصادية وغياب الرواد عن الساحة الفنية كما ان المردود المادي المتواضع جدا ادى الى توجه الفنانين الى الفضائيات العربية اضافة الى الرغبة في الانتشار السريع .
*ازاء التطور الحاصل في السينما والتلفزيون على مستوى الاساليب التي بدأت تستقطب المتلقي من جديد ألاتجد ان هذا قد يكون واحدا من الاسباب التي جعلت المسرح لم يعد في دائرة اهتمامات المتلقي التي تستقطب اهتمامه وتثير دهشته على الاقل في العراق ام ان المسرح له خصوصية في اساليب العرض والتقديم لخطابه لاتؤثر عليها الاساليب والتحديثات التي حصلت في السينما والتلفزيون ؟
-مما لاشك فيه ان للسينما والتلفزيون تأثيرواضحح في استقطاب المتلقي كما اثرت فعلا الاساليب والتقنيات الحديثة في عالم التشكيل إلاّ ان المسرح يبقى محافظا على خصوصيته على نبضه الحي الذي يساعد على ان يبقى متماشيا مع العصر هو التطور والتغيير الذي شمل المسرح بتقنياته التي ترسم سينوغرافيا العرض المدهشة .
*هل لك ان ترسم لنا صورة موجزة عن اهم المحطات التي وسمت مسيرتك الفنية ؟
-ان مجرد عملي مع استاذي الكبير شفاء العمري اعتبره محطة اختصار وايجاز لكل المحطات ومنها اقطع تذكرة الذهاب الى اجمل الامكنة الساحرة ومن ثم اعود الى محطتي لاسافر بعدها الى اماكن اكثر بهجة وجمالاً فأنا انظر اليها من الاتجاه المعاكس حيث انطلق من الامكنة البعيدة متجها الى المحطة الاساس التي يقف فيها شفاء العمري .
*بعد هذا العمر الطويل الذي قضيته على خشبة المسرح بكل حلوها ومرها مالذي خرجت به من افكار وهل يستحق منك كل هذا الجهد وهذا الوفاء ؟
-يقول الشاعر الكبير معد الجبوري : الكل باطل وقبض ريح متى يدق الموت بابي وأستريح .
*الممثل العراقي عادة مايحصل على جوائز مهمة في المهرجانات التي يشارك بها هل تجد ذلك امرا طبيعياً تبعاً لما يمتلكه من خصوصية في الاداء أم ان هنالك اسباب اخرى تقف وراء هذا التكريم خصوصاً اننا نجد ان الساحة العربية فيها الكثير من الطاقات الكبيرة فماذا تقول عن هذا وعن الممثل العراقي ؟
-على مستوى المسرح نعم المسرح العراقي مسرح واعي ومدروس وعندما يشتغل المخرج العراقي او الممثل العراقي تجده يعمل بكل حب وصدق وحرفية فهو فنان يلاحق عمله بكل تفاصيله بكل صدق وبكل وعي انا اوافق على ان المسرح العراقي دائما كان يحصد الجوائز في كافة المهرجانات التي يشارك فيها وهو يستحق تلك الجوائز .
*هل شاركت في مهرجانات خارج العراق. ؟
-لم اشارك في اي مهرجان خارج القطر للاسباب لان بغداد احتكرت كل المشاركات الخارجية بل اقتصرت على اسماء معينة . ولكن نتأمل من دائرة السينما والمسرح بأدراتها الجديدة بعد العام 2003 خصوصا مع وجود د. شفيق المهدي ان تلتفت الى فرق المحافظات وتشركها في المهرجانات ونحن بالانتظار
*انت تعمل ضمن اطار مسرح لاينتمي الى طراز المسرح التقليدي مالذي يخبئه هذا النمط من المسرح من تفرد وخصوصية الى الحد الذي يستبقيك فيه طيلة اكثر من ثلاثة عقود ؟
-التميز وصعوبة الاداء والبحث الدقيق في تفاصيل الشخصية هذا اضافة الى الجمل التمثيلية المدروسة التي اشتغل عليها لاضعها للشخصية فأنا اتصور ان ادائي كاللغة العربية الفصحى تكتشف جمالها ومستويات التعبيروالتأويل فيها عندما تضعها امام اللهجات العربية . ؟
*فلاطون كان يقول الجسد قبر . انت كممثل كيف تنظر الى مسألة الجسد واستخدامه من قبل الممثل ؟
-الجسد بحد ذاته لغة يمكن ان تتفاهم بها وبواسطتها مع الاخر . والجسد كما يقول بريخت وستانسلافسكي هي الادوات الخارجية التي يملكها الممثل لتجسيد مايمكن ان تقوله الادوات الداخلية وان بدايات تعلم الانسان للكلام كانت عن طريق الرقص . فالجسد هو اللغة التي كان يتحدث بها الانسان اما على مستوى المسرح فقد قدمت اعظم الاعمال عن طريق لغة الجسد .
[email protected]