تحتاج النفوس دائماً الى حافز للبقاء في التألق، وهذا الحافز يحتاجه الجميع؛ لأن بروز الملل في النفس أمر سريع جدا حتى قيل إن عدم الملل من المعاجز البشرية. وفئة الشباب تمتاز بأعلى درجات بروز الملل في شخصياتهم وتصرفاتهم، حتى أصبحوا مضربا للمثل في شدة وضوح هذه الظاهرة في حياتهم الاجتماعية، بل وأصبحت من مشاكل وصعوبات التعامل معهم، واخذ الكبار يفكرون في طرق التواصل المبتكرة التي تسمح لهم بالتعامل مع هذه الفئة دون التصادم مع هذه الصفة. وقبل أن نبحث عن الطرق التي يحتاجها الإنسان عندما يتواصل مع لشباب علينا أن نفهم أن للشباب عالما خاصا له قوانين تحكمه وهو ليس عالما شبيها بعالم الكبار والراشدين من الناس _سواء كانوا من الآباء أو الأمهات_ وتبرز أهمية هذا التشخيص الدقيق لوجود عالم خاص بالشباب أن البعض من الآباء يجهل أو يتغاضى عن مثل هذه القضية ويتعامل مع الشاب وكأنه يتعامل مع شخص في عمره وتجربته ووعيه. ومن الجدير ذكره إن الاستعداد النفسي عند الكبار لابد أن يكون بمستوى المسؤولية الأخلاقية والشرعي تجاه هذه الفئة؛ لان الكثير من هؤلاء الشباب يفقد الأمل في أبيه وأمه وأقربائه ويبحث عن أشخاص آخرين يضع ثقته وزمام نفسه تحت سلطتهم ورعايتهم، وتبدأ بعد ذلك آثار الاختيار السيئ للأشخاص الآخرين، ثم يبدأ مسلسل لا ينتهي من الانتهاكات والانحرافات على مستوى الوعي والتصرف، وتكبر مع الزمن الفجوة التي أحدثها البعد بين الآباء والأبناء.
وصفة الملل وعدم القدرة على تحمل تبعات الفعل البطيء في تصرفات الكبار هو من ابرز ما يكدر العلاقة التي تربط بين الطرفين، وهذه العلاقة ليست مبنية بل تحتاج الى بناء وهي كالرسم على الماء إن كان الآباء مغفلين من ناحية الوعي الاجتماعي؛ وهذا ما يفسر لنا كيف أن كثير من كبار أصحاب الشهادات العليا لا يملكون ما يملكه الأمي من الناس؛ لأنه يمتلك وعيا وفطنة اجتماعية لا تدرس في الجامعات بل تدرس في بيئة الحياة العاقلة والهادفة. ويحتاج الآباء في كثير من الأحيان الى أن ينظروا الى فترة شبابهم ويسترجعوا شريط الذكريات التي عاشوها في بداية شبابهم حتى يفهموا شعور أبنائهم عندما ينفرون من التواصل معهم، وهذه الاستعادة للذكريات تساعد كثيرا في وضع حجر الأساس على أول طريق الوصول الى قلب الشاب الذي تتقاذفه آلاف الأحلام والأمنيات. ومما يساعد على تذليل صعوبة التواصل ين الطرفين أن يضع الأب أولوية التواصل قبل أولوياته الأخرى، فلا يعتبر فقدان الاحترام مشكلة وهو غافل عن السبب، كما لا يعتبر فقدان الاهتمام بكلامه مشكلة وهو غارق في تأصيل المشكلة وهكذا. ولكل فئة من الناس لغة خاصة والشباب لغتهم التي يفهمونها هي لغة العصر المتأثرة بالمصطلحات التي تؤخذ من الإعلام المرئي، وأحيانا يتكلمون بلغة لا يفهمها غيرهم من الناس، وذلك أمر طبيعي فهم الفئة الأكثر تأثرا بتقلبات الحياة والأكثر انفتاحا على التطور التقني الاستهلاكي، ويحتاج الإنسان أحيانا الى وقت طويل حتى يفهم طلاسم كلامهم الخاص وهم في الوقت نفسه ليسوا ميالين لتعليم غيرهم اللغة التي يستعملونها، لان التعليم يحتاج الى أناة وصبر وهم ميالون للضجر والسرعة ويعتبرون ذلك سمة تميزهم عن بقية أفراد المجتمع.
فإذا كان الأب يريد أن يصل الى قلب الشاب فعليه أن يفهم لغته ولا يستهزيء بمصطلحاته ولا بطريقة كلامه؛ لان هذا من موجبات زيادة الفجوة بين الفريقين، ويستحسن أن تكون سمة الندية والاحترام هي السائدة بين الطرفين حتى يشعر الشاب بأهمية وجوده الخاص؛ فليس من المعقول أن يشعر الشاب بأهمية فئة الكبار واحترام خصوصياتهم ولا يقابل بنفس اللغة والمنهج. ولابد أن يبقى في الذهن واضحا ضرورة التأكيد على خصوصية الشاب في الحديث وفي أهمية مراعاة المنهج السليم في التعامل معه؛ لان الهدف هو الوصول الى قلبه والتأثير في سلوكه واستعمال الأسلوب غير المؤثر لا يؤدي الغرض، بل يؤدي في كثير من الأحيان الى بروز مشاكل جديد ليست لها حلول حاضرة، ويزيد من صعوبة التواصل الاجتماعي، ويظهر الكبير كأنه يعمل لمصلحته الخاصة وليس لمصلحة الشاب، وهذا ما يجعل الشاب ملولا من الاستماع إليه وحريصا على قطع التواصل؛ لأنه يشعر أن المعني الأول بهذا التواصل هو مصلحة الآخرين، وهو غير مستعد من الناحية النفسية أو السلوكية أن يضيع وقته في استماع الكلام فيلجأ الى عالم الملل، ويترك الأب أو الأم وحيدا لا يجد سبيلا للوصول الى الغاية، وهذه المشكلة هي مشكلة جميع الأجيال لكنها تزداد صعوبة مع الأيام بفعل تدخل التقنيات وتأثيرا على سلوكيات الشباب وخلق جيل من المجتمع مرتبط بالأجهزة والتقنية أكثر من ارتباطه بعالم الواقع. والملل هو سلاح الشاب للخروج من المتابعة لتعليمات الكبير كما انه يمكن أن يكون سبيل الكبير للوصول الى قلب الشاب من خلال ضع خطة يتجاوز فيها مميزات الشاب ويدخل بوعيه ودرايته الى عالم ابنه فيأخذ بيده الى سبيل الرشاد.