لا ادري لماذا هناك اصرار على وضع قضية الشعب البحريني في نطاق طائفي ضيق ، وغير مرغوب فيه ، فالواقع يؤكد ان هناك حراكا سياسيا محتدما في البحرين تقوده نخبة من المثقفين والكتاب والادباء وعلماء الدين ، وهو حراك جماهيري لا طابع ديني له ولا طائفي ، حتى وان كان معظم القائمين به من طائفة معينة.
من دون ادنى شك ان النظام في البحرين هو المستفيد الاول من تضييق الحراك الجماهيري الواسع باضفاء صفة الطائفية عليه ، خاصة وان هناك اصطفاف طائفي حاد كان قد تكون ونضّج على اوار النار المشتعلة في سوريا منذ اكثر من خمس سنوات ، فالقوى التي تتقاتل في سوريا ، رضيت ام ابت انما قتالها ياخذ طابعا طائفيا ، اذ تقف السعودية وحلفاؤها ضد ايران وحلفاؤها ، وكل طرف يظهر انه مدافع عن مشروع سياسي ، الا انه يسوّق ذلك المشروع طائفيا ، وهنا لا اجد فرقا بين السعودية وحلفائها وبين ايران وحلفائها ، والخاسر الاول من هذا الوضع هو الشعب البحريني وحراكه السياسي ، كما ان الرابح الاول منه هو نظام الحكم البحريني وحلفاؤه ، لانه يصوّر ما يحدث في البحرين على انه تفعيل لمسعى ايران في النفوذ على حساب دول الخليج ، مستفيدة من معارضة يقوم بها شيعة ، مسدلا ستارا من التظليل على كونها معارضة وطنية واسعة ، وليست طائفية ، ولكنه ستار لا يمكن ان يحجب الحقيقة ، فالصورة واضحة تماما ، هناك حراك سلمي له مطالب وطنية يستفيد من كل امكانيات العمل السياسي المشروع للضغط على الحكومة من اجل تنفيذها، وان من المنطقي ان يُدعم موقف الشعب البحريني المحق من قبل الشعوب العربية ، فالعرب اشقاء ، كما تقول الادبيات التي تتكلم عن الامة العربية المزعومة، وان يُدعم ايضا من قبل الشعوب والمنظمات السياسية والحقوقية العالمية ، الا ان وضع القضية البحرينية في قائمة القضايا الطائفية ، افقد هذا الشعب المناضل الشجاع ذلك الدعم الذي ينبغي على العرب واحرار العالم ان يقدموه
فلن نسمع مستنكرا لجرائم الحكومة البحرينية بحق شعبها سوى تلك الاصوات التي اعتدنا ان نسمعها تصدر من دول واحزاب وشخصيات ، توصف بانها طائفية ، وبهذا تكون الحكومة البحرينية قد امنت اي خروج محرج لها على صعيد المنطقة ، كما انها وتحت ذريعة الوقوف في وجه المد الايراني تحقق تفهما دوليا يطلق يدها في قمع اي تحرك جماهيري ، من ذلك اعدام الشبان الثلاثة ، تقبلهم الله تعالى برحمته في عداد الشهداء السعداء، وهو فعل مدان بكل المقاييس، يمثل واحدة من سلسلة جرائم ارتكبها نظام الحكم المستبد ، بحق الشعب البحريني المظلوم ، ينبغي ادانته من قبل احزاب وحركات وقوى اسلامية ووطنية ، اما ادانته من قبل وزارة الخارجية العراقية، فهو تصرف ليس حكيما ، ولا اجد له اي توصيف ، وانه يفتح على الدولة العراقية المثقلة بالجراح ابوابا اغلاقها اسلم.
الحقيقة التي لا يمكن ان تغيب عن ذهن لبيب ان هناك مسعى لايران في توظيف ما يحدث في المحيط العربي في مشروعها السياسي واستخدام القوى المدنية المعارضة لانظمة الاستبداد كورقة ضغط على صعيد الاقليم والعالم ، ولكن هذا لا يلغي ان قوى الحراك السياسي في المنطقة لها مطالب وطنية مشروعة ، وان انظمة الحكم التي تقمعها هي انظمة ظالمة ومستبدة ، ولكن حقوق الشعوب واستبداد الانظمة ، ليست سوى مقولات محكوم عليها ان تضيع في زحمة المصالح التي ترسم خطوط الاصطفاف، فتخسر الشعوب حراكها ، وتمعن الانظمة في استبدادها ، وتظل المنطقة تدور في حلقة مفرغة من وهم قديم متجدد ، وهم (الروافض) الذي يضع الشيعة في خندق تهيمن عليه ايران، ووهم (النواصب) الذي يضع السنة في الخندق الاخر الذي تهيمن عليه السعودية ، وهذا الوهم هو العصا السحرية للسلطات الظالمة في تبديد اي شمل قد يلتئم في وجهها ، ولا بأس في العودة الى التاريخ لاستنطاق بعض شواهد مكر الانظمة المستبدة ، فالاحداث الطائفية التي درات رحاها بالامس شبيهة باحداث اليوم ، منها على سبيل المثال لا الحصر ، تلك التي جرت بين الحنابلة والمعتزلة ، حول هل القران الكريم قديم ام مخلوق؟ وقد وقف المامون مع المعتزلة ضد الحنابلة ، ووقف المتوكل مع الحنابلة ضد المعتزلة ، ووظف الصراع بطريقة مزقت الامة يومها ، الا انها قوت مركز السلطة العباسية ، واني متاكد من ان المامون والمتوكل طغاة الامس، وهما في الوقت نفسه ، اسلاف لطغاة اليوم ، فالمامون ليس احرص من الحنابلة على كون الدليل العقلي مستقى من الدليل النقلي، والمتوكل ليس احرص من المعتزلة على كون الدليل النقلي لا يسقط اعتبار الدليل العقلي ، وكان ممكن لتيار العقل المعتزلي ان يغني تيار النقل الحنبلي ، الا ان السلطة ومشروعها في الحكم فوق كل الادلة
واني متاكد من ان ايران ليست احرص على البحرين – الدولة – من سنتها ، وان السعودية ليست احرص على البحرين – الدولة – من شيعتها ، فعلى السني ان لا يفقد حكمته ، فيقف مع نظام مستبد يقمع ابناء شعبه ، فهو ، اي النظام ، عندما يجد في السني تهديدا لحكمه سيقمعه ايضا ، وبالطريقة نفسها ، وعلى اساس تهم جاهزة ، لكل من تسول له نفسه ان يحيي سنة رسول الله (ص) بكلمة حق امام سلطان جائر ، منذ ولادة الاستبداد العربي المشؤومة الى يومنا هذا ، من شواهده ذبح الطاغية خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة من قبل الحاكم الاموي هشام بن عبد الملك ، ذبحه الجعد بن درهم ، صبيحة عيد الاضحى ، تحت منبر المسجد الذي القى فيه خطبته بنية اضحية ، اذ خاطب الناس “أيها الناس ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم؛ فذبحه تحت المنبر ، بدعوى انه يقول بخلق القران، فهو لم ينكر ان القران الكريم كتاب الله ، ولم ينكر انه منزل على رسول الله (ص) الا انه يقول هو مخلوق خلقه الله وليس قديما ، لانه يعتقد ان لا قديم سوى الله تعالى ، وهذا اعتقاد موحد لا يجوز قتله ، الا ان سبب قتله هو انه ذو اراء تهدد الكيان الاموي ، واني على يقين من ان الجعد بن درهم اكثر ايمانا من طغاة بني امية . ثمة حقيقة لا تغيب عن اذهان الناس ، هي ان هذا الصراع الطائفي الذي تدار فصوله بدموية مرعبة يكون اكثر دموية كلما كان اكثر تهديدا للمصالح ، الامر الذي يؤكد انه صراع لا صلة له بالمذاهب التي تدعي اطرافه الدفاع عنها ، في سوريا البعيدة جغرافيا والمتنوعة دينيا ومذهبيا، السعودية وحلفاؤها مولوا وسلحوا فقط ومهدوا الطريق لفصال الارهاب للقتال فيها ، اما في اليمن القريبة المحاددة قليلة التنوع ، فان السعودية انشأت تحالفا عسكريا عريضا ذا صبغة طائفية وقادته هي بنفسها، اما في البحرين ، الخاصرة السعودية ذات الاغلبية الشيعية ، فالجيش السعودي دخل بكامل تشكيلاته لقمع المعارضة البحرينية ، وما يجب ان لا يغيب عن اذهان المغرر بهم ، ان الحكم السعودي قام على جماجم السنة ، من قبائل الجزيرة العربية ، قبل ان يشهر سلاحه ضد الشيعة ، وانه نظام لا يتوانى عن سحق كل من يهدد عرشه سواء اكان شيعيا ام سنيا ، امويا ام هاشميا .
اما توظيف ايران لحراك شعوب المنطقة ضد انظمة الحكم المستبدة ، في مشروعها السياسي الخاص ، وهو مشروع سياسي محض ، فانه يزيد من نزف دماء تلك الشعوب المسكينة ، لانه يطمس حقيقة حراكها الوطني وراء عناوين طائفية ، ويؤلب عليها المحيط السني الذي تعبئه السلطات الغاشمة ، وهي سلطات لا تنتمي الا الى مصالحها – الاحتفاظ بالحكم – فهو في النتيجة ، توظيف يحقق اهدافا لا مصلحة للشعوب المظلومة فيها.