أنا أعلم – كما يعلم غيري – أن منصب رئاسة الوزراء لا يغري أحداً من العراقيين في الوقت الحاضر، وأن من يتطلع إليه لا بد أن يكون مغامراً عنيداً، ولديه قدرات استثنائية. ولأنني لست من هذا الصنف، ولا قدرة لي على التكيف معه، فلا أمل لدي في أن أحظى به بأي حال من الأحوال.
وأعلم كذلك أنني لن أتقلد منصباً كهذا في حياتي. فلا حزب ولا كتلة ولا تيار.. ألخ ورائي. وكل ما أملكه من الأصوات لا يتعدى أفراد أسرتي الصغيرة، وبعض الأقارب الذين لم أغضبهم في يوم من الأيام.
ولكنني أفترض هذه المرة أن بوسعي الحصول على هذه الثقة لأربع سنوات لا غير، هي مدة الدورة الرئاسية التي ينص عليها الدستور، وأعلم أن لا حظ لي بتجديدها أكثر من مرة واحدة.
وأخيراً أدرك أنني سأغضب السواد الأعظم من العراقيين. وأن وسائل الإعلام، وصفحات التواصل، والمنتديات الثقافية، والمقاهي، ستنال من سمعتي وتلفق لي التهم وتفبرك لي الصور وتحشرني مع متعددي الجنسية، وسراق المال العام .. ألخ!
ولكنني لن أتراجع عما عقدت عليه العزم من إحداث ثورة اجتماعية كبرى، سأسهر على تحقيقها، مهما كان الثمن. وأحشد لها 80% من موازنة العراق لمدة أربعة أعوام. وأوقف بسببها كل المشاريع، والتعيينات، وتنمية الأقاليم، وموازنة المحافظات، ورواتب الإقليم، ومشتريات السلاح، ومبيعات البنك المركزي. وأمنع دخول الملابس، والهدايا، والألعاب، والمفرقعات، والسيارات، والعطور، وأجهزة الموبايل، وغير ذلك كثير!
ومرة أخرى لن أعبأ بما سيقال عني، ولن أتأثر بالشتائم واللعنات وتصريحات السياسيين والإعلاميين وشعراء قصيدة النثر وكتاب الإنترنت! فلدي عمل سأقوم به، مهما كان الثمن.
هناك العديد من المشاريع الكبرى التي ستغير مجرى التاريخ في العراق، وتنتقل به من حال إلى حال. ولكني سأقتصر على أحدها، بحكم الأولوية. وإن كان هناك غيره الكثير.
هذا المشروع هو إنشاء خطوط سكك حديد متطورة طولها من 20000 إلى 30000 كيلومتر. تمر بجميع المدن والأقضية والنواحي والأحياء وحقول النفط والموانئ والحدود الدولية. تنطلق فوقها القطارات الحديثة لنقل المسافرين والبضائع من محطات حديثة جميلة مزودة بكافة أنواع الخدمات، بموجب جدول زمني صارم، ونظام تشغيل دقيق. وستكون هذه الخطوط مشغولة على مدار الساعة، ولن تتعرض لحدوث اختناقات أو عطلات أو مشاكل تشغيلية. فهناك نظام سيطرة متقدم، يقضي على كل احتمال بالتوقف الاضطراري.وسيكون بالإمكان تحويلها إلى الاشتغال بالطاقة الكهربائية عندما تتوفر في السنوات اللاحقة.
وبوضع هذه الخطوط في الخدمة تتضاءل الحاجة لسيارات النقل الخاص والعام والسيارات العائلية والشاحنات العملاقة. ولن تكون البلاد مرغمة على استيراد أعداد هائلة من المركبات كل عام، أو تضطرها الحاجة إلى تعبيد آلاف الكيلومترات من الطرق والأوتوسترادات والشوارع الداخلية، أو إصلاح ما يتضرر منها كل يوم بفعل حركة النقل البرية الهائلة.
ومن شأن خطوط النقل الحديدية هذه أن تقرب المدن من بعضها، فتعزز الوحدة الوطنية، وتقلل ميل بعضها للعزلة. وستكون حافزاً لإلغاء فكرة الحكم الذاتي والأقاليم، التي ينعق بها ذوو الأغراض المشبوهة كل يوم.
ولا شك أن كلف الإنتاج والتسويق والنقل ستنحدر إلى أدنى مستوى لها. وتصبح أسعار السلع والبضائع متهاودة جداً. ويقل استهلاك الوقود إلى درجة كبيرة.
ومن الطبيعي أن مشروعاً كهذا سيوفر فرص عمل لعشرات الألوف من الشباب، خلال عملية البناء التي ستضطلع بها شركات عالمية ومحلية، أو بعد وضعه قيد التشغيل. مما سيعوض عن عملية إيقاف التعيينات في الوزارات الأخرى أثناء عملية التنفيذ.
والفائدة الأكثر أهمية للبلاد، إضافة إلى ما ذكر آنفاً، هي إيقاف نزيف العملة الصعبة إلى الخارج، والاقتصار على ما لا يمكن الاستغناء عنه من المشتريات.
وسيؤدي نظام نقل عملاق كهذا إلى خلق علاقات اجتماعية جديدة، ويعتاد الناس بموجبه على النظام واحترام الوقت وسلوك عادات جميلة. ويكون بوسعهم ادخار المال لأغراض حياتية أكثر أهمية.
ولا شك أن الصيحات ستتعالى بسبب إيقاف مشاريع الإسكان والصحة والبلديات . وسأتعرض أنا – رئيس الوزراء – إلى حملات مسعورة. ولكن الحقيقة أن توقفاً حقيقياً لن يحدث، لأن هذه المشاريع هي في الأصل متلكئة وغير ناجحة. والقليل منها يرى النور بسبب الفساد والبيروقراطية وروح الاستعلاء التي يتصف بها الموظفون العراقيون عادة. وأنا أفترض أن يكون التنفيذ في عهدة شركات عملاقة ، لا يتدخل فيه هؤلاء إلا بقدر ضئيل، وإلا فإن احتمالات إنجازه في الوقت الملائم ستكون ضعيفة إن لم تكن مستحيلة، بسبب ما طبعوا عليه من اللامبالاة والغرور وعدم الشعور بالمسؤولية. وهذا هو حال معظم مشاريع الدولة الآن.
إذا ما أردنا أن نتقدم فعلينا أن لا نختار الحلول السهلة، ونتذكر أن الثورة الصناعية التي انطلقت عام 1840 بدأت بتدشين خطوط ضخمة للسكك الحديد في بريطانيا. وبمشروع مثله سنضع العراق على أعتاب نهضة صناعية واجتماعية وزراعية هائلة. وستذهب كل دعوات التقسيم والشرذمة والاستحواذ على المال العام أدراج الرياح.