18 ديسمبر، 2024 11:17 م

هزيمة ثمانية آلاف سنة حضارة

هزيمة ثمانية آلاف سنة حضارة

قال لي، أنا احترم عقلي ولن أسمح لأي كان أن يستولي عليه ويوجهه الوجهة التي يريد.قلت، من حقك ان تفكر بهذه الطريقة فهناك الكثير من الصبيان الذين يمكن ان يهينوك ويكونوا قادة في حركة او حزب أو منظمة، بينما تضيع شهاداتك وفلسفتك وعلومك التي إكتسبتها خاصة حين يكون منطق القوة سائدا، ولامكان للعارفين وللعالمين وللفاهمين، ولايكون من حضور سوى للصبيان والمنفلتين والنصابين واللصوص الذين يتحولون الى قادة وتكون أنت (فطيم بين الرعيان).
    ولدت الكويت من رحم قرية عراقية إسمها كاظمة، وولد العراق من رحم المشيئة الإلهية، وتسيد حضارة الأرض، وإبتلى الله العراق بقادة ليسوا من صنف الرجال، بل هم أوباش منحطون إستسلموا للأهواء، فعشقوا الحروب، وتركوا السياسة، أو عشقوا اللصوصية، وتركوا السياسة، وهم في الحالين فاشلون، وصناع هزيمة، بينما كان شيوخ الكويت عارفين بمصيرهم فعشقوا أمريكا، وهادنوا إيران، ودعموا صدام فكان الأحمق الوحيد في اللعبة، وسلم بلده للوصاية الدولية، وضاع الوطن.
    أراد عبد الكريم قاسم أن يكون بطلا فبعث جنودا خانوه، وحسنا فعلوا، ولم يدخلوا الكويت المحمية من الإنجليز والأمريكيين، وأراد صدام أن ينتقم ممن غدر به بعد سنوات من الحرب بالنيابة وصف الملك فهد الراحل حال دول الخليج من دونها بقوله لكنا مثل ( فطيم بين الرعيان ) وفطيم راعية غنم لوحدها، وكان الرعاة يستغلونها فيضاجعونها متى ماشاءوا وهي بلاحول ولاقوة، فكان أن تحول العراق الى دولة فاشلة تدفع أموالها للكويتيين الذين صاروا أصحاب دولة، بينما ضاع العراق، وفقد ثمانية آلاف سنة حضارة.
    ونتيجة طبيعية لحروب طائشة فقد دفع العراقيون الثمن باهظا من كرامتهم وأموالهم وحاضرهم ومستقبلهم، وتسابقت الدول والحكومات والشعوب البعيدة والقريبة على العراق  لتقسيمه، وزرع العملاء فيه من السياسيين والناشطين الذين يقبضون بعض آلاف من الدولارات، بينما يبيعون وطنا عظيما علم البشرية كيف تتنافس في ميادين الحضارة والإبداع، وكانت بغداد في يوم ما عاصمة الأرض، وحكم علي بن أبي طالب خمسين دولة من عاصمته في الكوفة، وكانت مدنه عواصم كبرى خالدة ( الكوفة، بغداد، سامراء، البصرة، نينوى).
    ستضيع مدن وقرى وقصبات ومساحات من المياه وصحارى وهضاب وجبال وحقول للنفط والغاز مالم ينتفض الشعب لنفسه ويحمي مستقبله، فالعراق في هذه المرحلة يفتقد للرجال الحماة على مستوى السياسة والمفاوضات والتأثير، وهناك من السياسيين ممن بيده الأمر لايفكر سوى في شؤونه الخاصة، بل إن البعض من السياسيين لايعرف الكثير عن وطنه الذي فارقه من عشرين وثلاثين سنة قبل سقوط دكتاتورية صدام، وهولاء لن يكون بمقدور الشعب الثقة فيهم مجددا بعد سنوات من الفشل والفساد والخراب ولابد من تغيير ما.