18 نوفمبر، 2024 12:32 ص
Search
Close this search box.

الحرب القادمة بعد ربيع الثورات

الحرب القادمة بعد ربيع الثورات

في مقال سابق بعنوان (من يقف وراء موجة الثورات العربية؟) شرحت مقدمات الثورات العربية والتي تم التهيئة لها منذ تسريبات ويكيليكس والاسباب التي دعت الغرب الى تغيير الانظمة الشمولية العربية ومن ضمنها تجفيف حواضن التطرف الديني التي ازدهرت في ظل الدكتاتورية والفقر والتخلف, وفي هذه المقالة سوف اتطرق الى العلاقة بين مصلحة الامن القومي الغربي وبين الثورات العربية.
من المعروف ان العدو التقليدي للغرب في الشرق الاوسط هي ايران بشكل اساسي ولولا وجود ايران لكانت امريكا تهيمن على منابع الطاقة في العالم بشكل مطلق وتتحكم في الاقتصاد العالمي بالكامل وتسيطر على منطقة الخليج التي تحتوي 67% من احتياطي نفط العالم وحوالي 35% من احتياطي الغاز في العالم . بالاضافة الى ذلك فأن أيران تطل على بحر قزوين والذي يمتلك حوالي 22% من احتياطي نفط العالم بالاضافة الى 10% من احتياطي غاز العالم وهذا يمثل المصدر المستقبلي المهم للطاقة بعد انتهاء نفط الخليج ومن هنا تكمن اهمية الصراع بين أمريكا وأيران فهو صراع فوق الايديولوجية ويتمركز حول السيطرة على منابع الطاقة في العالم وبالتالي التحكم في الاقتصاد العالمي.
الحرب والشطرنج ولعبة الموقع القاتل
ان شن حرب على ايران هو لعبة شطرنج معقدة للغاية ويجب وضع الاحجار على رقعة الشطرنج بدقة للتهيئة للضربة الحاسمة وثم “كش مات” ولم يكن اعتباطيا التواجد العسكري الامريكي في المنطقة وانما هو حركات محسوبة بدقة على رقعة الشطرنج العالمية, فدولة قطر تمثل 14% من احتياطي الغاز الطبيعي العالمي فأختارتها أمريكا قاعدة للقيادة الامريكية في الشرق الاوسط حيث يتواجد فيها اكثر من 10,000 عسكري امريكي بينهم كبار ضباط القيادة منذ عام 1999 بطلب شيخ قطر حمد بن خليفة بعد وصوله الى الحكم عام 1995 عقب انقلاب على ابيه الشيخ خليفة بن حمد.
وتم اختيار قاعدة الظفرة الجوية الامريكية في أمارة أبو ظبي لتغطية وتأمين مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يمثل الشريان الابهر لنقل 40% من النفط في العالم كما تم اختيار البحرين لتكون مقرا للاسطول الخامس الامريكي الذي يتمركز في الخليج.
تأمين الحلفاء الاستراتيجيين على رقعة الشطرنج وسد الثغرات
من هنا يتضح ان الحرب المؤجلة بين امريكا وأيران سوف تشل تجهيز النفط والغاز في العالم وتؤدي الى ازمة وقود لم يسبق لها مثيل في التأريخ. من هذا نستنتج انه يجب تأمين مصادر طاقة بديلة مضمونة لتغذية اوربا خاصة قبل الشروع في الحرب. وتتجلى مدى حساسية وضع اوربا من امكانية نشوب حرب على ايران في ماحدث يوم 31\2012 حيث قفز سعر برميل النفط في اوربا الى 101$ لمجرد قيام ايران بمناورات حول مضيق هرمز. لذلك اصبح من الضروري تأمين مصدر بديل مؤقت للنفط لضمان عدم انهيار اوربا في حال نشوب الحرب ويمكن ذلك بتغيير الانظمة التي قد يشك في ولائها للغرب بأنظمة موالية وكسيحة لاتستطيع الا الاعتماد الكامل على الغرب. ان نظام دكتاتور ليبيا السابق معمر القذافي لايمكن الوثوق به خصوصا وان معمر القذافي مختل عقليا ومصاب بجنون العظمة ومستعد لعمل كل شئ من اجل جذب الاضواء الى شخصه وكان سيتخذ موقف موالي لايران في حال نشوب الحرب كما سبق له اتخاذ موقف مؤيد لايران ابان الحرب العراقية-الايرانية بين عامي 1980 و1988 فقد وجب وضعه على قائمة التغيير اذا علمنا ان ليبيا تمتلك اكبر احتياطي نفط في افريقيا وثامن اكبر احتياطي على مستوى العالم ويمكن ان تشكل مورد تأمين طاقة لاوربا بشكل مؤقت في حال نشوب الحرب مع ايران.
من ناحية اخرى فأن نظام دكتاتور مصر السابق محمد حسني مبارك هو نظام مترهل وعجوز ورغم علاقاته المتينة مع الغرب وامريكا الا انه بدأ بمد جسور علاقات مع روسيا بل تجاوزت مصر الخط الاحمر من خلال اتفاق مبدئ بتاريخ 20122010 مع روسيا لانشاء اول مفاعل نووي مصري اي قبل شهر واحد فقط من اندلاع ثورة 25 يناير في مصر. ان موضوع امتلاك مصر لمفاعل نووي هو خط احمر حيث ساد هلع في الاوساط الاسرائيلية وبدأ الاعلام الاسرائيلي يدعو للتحظير لضرب المفاعل المصري حتى قبل ان يجف حبر الاتفاق المبدئ الذي وقعه وزير الصناعة المصري السابق رشيد محمد رشيد مع نظيره الروسي فيكتور خريستنكو.
ان تأمين أسرائيل يعتبر من اولويات امريكا في حال نشوب حرب مع ايران لذلك توجب تغيير نظام حسني مبارك بسرعة قبل ان تجهز روسيا اول مفاعل نووي في مصر كما فعلت من قبل وجهزت ايران بمفاعل بوشهر النووي (تم بنائه اصلا من قبل شركة المانية في زمن الشاه)  والذي توقف عام 1979 بعد قيام الثورة الاسلامية ثم اعادة تشغيله روسيا عام 1995 وتم افتتاحه عام 2011 بطاقة كاملة وتسبب ذلك في موجة عقوبات اقتصادية جديدة على ايران وتوتر حاد في العلاقات مع الغرب.
ان التدخل العسكري المباشر لتغيير الانظمة العربية اثبت فشله بعد تجربة العراق عام 2003 فقد كان تغيير نظام دكتاتور العراق صدام مجرد نزهة  للجيش الامريكي لاسبوعين عام 2003 لكن الكوارث التي اعقبت ذلك كان كابوس حقيقي للجيش الامريكي وغرق في المستنقع العراقي ولم يكن من الممكن الخروج منه الا بالانسحاب من العراق. لذلك كان يجب على الادراة الامريكية ابتكار طريقة جديدة لتغيير الانظمة في مصر وليبيا وسوريا.
ان سوريا بلد ضعيف اقتصاديا لكن مهم في توازن القوى في المنطقة وخاصة مايشكله من دعم لوجستي لحزب الله في لبنان والذي يقض مضجع اسرائيل بل تعتبر هذه المليشيا “الجيش” الوحيد الذي تسبب في هزيمة الجيش الاسرائيلي الذي ادعى اليهود انه جيش لايقهر ومنصور من الله لانه جيش شعب الله المختار الذي هزم جميع الجيوش العربية مجتمعة لمرات عديدة ولم تتمكن من تحرير شبر من الارض من براثنه. وسقطت تلك الاسطورة بعد انهزام الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان واكتفت اسرائيل بتوسيع رقعتها داخل فلسطين من خلال بناء المستوطنات. 
يتضح من اعلاه انه كان يجب تغيير انظمة الحكم في مصر وسوريا وليبيا بطريقة او بأخرى وقد جرى العمل حثيثا من خلال اوساط الشباب العربي الذين درسوا في الولايات المتحدة الامريكية ومعاهدها العلمية وكانوا يمثلون استثمار امريكا في جيل المستقبل العربي في تلك البلدان. ليس من قبيل الصدفة تسمية خريجي الجامعات في امريكا ب” الالمنوس” وهي كلمة لاتينية الاصل تعني “يجهز ب”لكنها مجرد تلاعب لفظي عن كلمة الومناتي(النورانيين) والتي هي حركة ماسونية تأسست في نفس سنة تأسيس الولايات المتحدة الامريكية عام 1776 وقد خصصت هيلاري كلنتون وزوجها بيل كلنتون موارد لدعم برنامج لكسب الطلاب العرب في الجامعات الامريكية ومن ضمنهم وائل غنيم خريج ماجستير الجامعة الامريكية وعشرات الالاف غيره من الذين رتبوا الثورات العربية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب والتي تهيمن عليها الشركات الامريكية الكبرى. لا اريد التوسع في شرح الموضوع هنا لانه يأخذ ابعاد اوسع من عنوان هذه المقالة.
رقعة الشطرنج الجهنمية تتوسع عالميا
لم يكن من المصادفة يوم 13122011 ان يخطب الرئيس الصيني (هو جنتاو) في البحرية الصينية قائلا “اعدوا العدة وتهيأوا للحرب” ولم يكن ذلك كلام من فراغ بل لان زعيم الصين يدرك ان النفوذ الامريكي المتزايد حول منابع الطاقة في الخليج والبحر المتوسط يهدد الصين بكارثة حقيقية في حال نشوب حرب بين امريكا وايران لان الصين تستورد  80% من نفطها من منطقة الخليج وغرب افريقيا وقد لاتقف مكتوفة الايدي في حال نشوب الحرب ومن الجانب الاخر فأن روسيا قد اتخذت موقفا معاديا لامريكا حيال تغيير نظام الحكم في سوريا مما دفع امريكا لاصدار الايعازات الى جامعة الدول العربية بفتح الباب للبديل عن تدخل الناتو وذلك بتدخل دولة “اسلامية” هي تركيا والتي تعتد العدة للتدخل في سوريا عسكريا بعد اعطاء الضوء الاخضر من الجامعة العربية علما ان أحمد داود اوغلو وزير الخارجية التركي يحضر اجتماعات الجامعة العربية بأنتظام منذ فترة طويلة كأنه عضو دائم وكان صرح يوم 15/8/2011 حرفيا ما يلي : ( ان العمليات العسكرية ضد المدنيين في سوريا ينبغي ان تتوقف على الفور ودون شروط محذرا الرئيس السوري بشار الاسد من ان هذه هي الكلمات الاخيرة)ـ
السيناريوهات المحتملة للحرب
من المحتمل ان تخول الجامعة العربية تركيا بالتدخل العسكري البري والجوي فتدخل القوات التركية دمشق ثم تحدث تداعيات خطيرة في لبنان عن نتيجة اشتباك بين جماعة سعد الحريري وحزب الله فيستغيث سعد الحريري بأخواله في السعودية والذين يستغيثون بدورهم بالامريكان والناتو والذين يجدون فيها فرصة ذهبية للانتقام من حزب الله وتدميره بشكل نهائي وتأمين أسرائيل بشكل نهائي.
ثم بعد ذلك قد يكون هناك فترة سلام مؤقت واعادة ترتيب الاوراق في المنطقة وتقسيمها الى دويلات طائفية وقد تستغرق هذه اللعبة سنوات ثم يعقبها أشعال حرب طائفية في المنطقة يكون الهدف منها العراق اولا ثم استفزاز أيران وهنا تبدأ الحرب العالمية الثالثة والتي يصعب التكهن بنهايتها فقد تنتصر أمريكا والغرب وتفتت ايران الى دويلات عرقية وطائفية يتبعها تفتيت السعودية التي تصبح بدون فائدة بل قد تشكل خطرا بعد انتفاء الحاجة اليها في مواجهة دامية مع ايران ومن الطبيعي زوال الحاجة الى السعودية بزوال ايران وبذلك يتم تقسيم السعودية الى دويلة نجد ودويلة الحجاز ودويلة للشيعة في المنطقة الشرقية على غرار دويلات الخليج الصغيرة والتي يسهل السيطرة عليها ولايخشى منها فهي لا في العير ولا في النفير.
ان دخول قوى عظمى كالصين وروسيا في الحرب مباشرة امر مستبعد لكن الصين لن تفوت فرصة ابتلاع تايوان اثناء الحرب وكذلك روسيا لن توفر جهدا في مد نفوذها على بحر قزوين في المقابل فان تركيا سوف تحتفظ بقوات عسكرية ونفوذ في شمال سوريا في المناطق التي فيها قومية تركمانية مثل حلب وحماة اما اكراد العراق فسوف يغنمون من ايران المقسمة المنطقة الكردية وبذلك يكون الجميع سعداء بغنائم المعركة ويكون العرب قد ضيعوا في الصيف اللبن.
كما ان السيناريو قد ينقلب الى مبادرة ايران الدخول في الحرب عند هجوم تركيا على سوريا والناتو على لبنان وبالتالي قد نشهد نهاية مختلفة تماما. رغم ان امريكا سحبت معظم جنودها من العراق لتأمينهم من الهجوم الايراني على العراق في حال نشوب حرب معها الا ان العراق بقي ساحة مكشوفة وارض مفتوحة لكل من هب ودب وبالتالي قد تدخل ايران الحرب بخطوة استباقية عندما تتعرض سوريا ولبنان للهجوم.
لايمكن الجزم فعنصر المفاجئة قد يأتي حتى في اللحظة الاخيرة ويقلب جميع التوقعات لذلك يتم لعب هذه الحرب القادمة بهدوء لاعبي الشطرنج لكنها قد تنفجر الى معركة مسدسات كاوبوي في اي لحظة.
[email protected]

أحدث المقالات