الحلقة الثانية
لا أريد أن أعيد كتابة ما جاء في الحلقة الأولى لكنني مضطر إلى التذكير باختصار إلى أن التطور حليف الدولة ، فلم يعد هنالك إصلاح أو تطور تحصل عليه الشعوب خارج الدولة ، و الدولة التي أتحدث عنها أقصد بها تلك التي جاءت بها الأفكار الحداثية ، و لأنني أتحدث عن موضوع محدد سأترك كل ما تثيره الجمل الأولى من حيثيات و أركز على كيف يكون الناس في العراق في دولة عراقية و كيف تكون السلطات في العراق دولة ؟
و للإجابة عن السؤال الأول : علينا التذكير بمثال يقولُهُ روبرت فيسك : (أتعلمون لِمَ بيوت العرب في غاية النّظافة بينما شوارعهم على النّقيض من ذلك ؟! السببُ أنّ العرب يشعرون أنّهم يملكون بيوتهم لكنهم لا يشعرون أنهم يملكون أوطانهم ) … هذه بداية جيدة ترتبط بسؤالنا الثاني لكننا نريد أن نبقى في السؤال الأول ، و هو كيف يرتبط الناس عضويا في الدولة لكي يشعرون أنهم أبنائها و أن مؤسساتها هي ملكهم ؟ أعترف بكثرة أبعاد هذا الموضوع لكنني أهتم بموضوع الوعي ، و هو جزء رئيسي من عملية الترابط هذه ، و بمباشرة : ( إلّمْ يعي الناس بناء و وظيفة المؤسسات التي ترتبط بحياته المدنية لن نبلغ هذا المعنى الذي يتحدث عنه روبرت فيسك الشعور بأن الوطن ملكك ) ، هذا المعنى من الوعي يواجهة المعنى الذي عند العراقيين بسياق ما فعلته بهم مؤسسات الدولة في ظل الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت العراق لعقود من الزمان ، فمثلا قبل يومين عندما حلت ذكرى تأسيس الجيش العراقي ، رأينا كيف أن البعض من العراقيين من القومية الكردية طالبوا الجيش العراقي أن يعتذر لهم بسبب ما صنعه بهم في السابق و رفضوا ألاحتفال بهذه الذكرى ، على الرغم من التضحيات و الجهود التي يبذلها الجيش العراقي ألان في حماية العراق و العراقيين . و هكذا في باقي المؤسسات الأخرى
لا يؤاخذني القارئ الكريم أنني إلى ألان لم أدخل بموضوع المقال ( الوعي القضائي ) فبتقديري أن مؤسسات القضاء هي الأكثر إلتصاقا بمعنى الدولة و القانون و المدنية ، فالمحكمة هي المؤسسة المحورية في السلطة المركزية التي تتحرك السلطات الأخرى بأتجاهها ، فالتشريع و التنفيذ في علاقتها بالمحكمة تقوم بدور يؤدي للمحور أعماله . و من هنا ندرك بشكل أكبر أهمية ( الوعي القضائي ) فعلى القضاء مسئولية تتجاوز الإعلام و الإخبار ، فالقانون الذي يمثل عمادة الدولة و المدنية ، و العدالة التي تشكل ذروة المقاصد و الأهداف ، لا ينتج في أي مكان أكثر من المحكمة و المؤسسات القضائية الأخرى ، و هذا ينبغي أن يعرفه الناس بشكل مركز و يعونه بدرجة كبيرة
الوعي القضائي هو إيمان الناس أن العدالة تتحقق عند القضاء ، و هذا يستلزم عملية أعمق من الإعلام أسميناها بصناعة الوعي تستعمل أدوات حديثة مختلفة في أشكال الإعلام و الصحافة و التثقيف و صناعة الرأي
يتبع