إبتداء ، لابد من ان ننوه الى ان المقال لايهدف الى الترويج للتسوية السياسية التي طرجها التحالف الوطني ، وان كان فيها أسس سليمة وعملية لايمكن انكارها، وللكثيرين من كتل أخرى لديهم أراء بشأنها ، ولكن ما اردت الاشارة اليه في هذا المقال هو الشخصيات السياسية المتمكنة التي اختارها المجلس الأعلى للدفاع عن ذلك المشروع وعرض المبررات التي تكاد تكون (مقنعة) الى حد ما ، للطريقة الايجابية التي يتم فيها عرض أهداف مشروع التسوية ، وانه يهدف الى ( قلب صفحة جديدة ) في تاريخ الصراع الدامي في العراق، والذي يحاول آخرون اخفاء معالمه او تحويل الانظار عنه او سوق المبررات غير المقنعة للحيلولة دون ان يبلغ المشروع مداه.
لقد كان السيد صلاح العرباوي احد قياديي المجلس الاعلى وخلال أغلب حواراته ضمن برنامج ( المناورة ) بقناة دجلة الفضائية ليلة الاثنين التاسع من كانون الثاني أو في حوارات مع قنوات أخرى ومن قبله السيد فادي الشمري في أكثر من حوار متلفز موفقين كل التوفيق مع اخرين في سرد المبررات الواقعية والعملية التي تبرر مشروع التسوية وتضع النقاط على الحروف لمعالجة تداعيات الواقع العراقي ، واود ان أسرد بعض تلك النقاط المهمة التي يتم التركيز عليها من قبل تلك القيادات وكالاتي:
الاول : ان العراق هو جزء فاعل من محيطه العربي وهو مؤسس للجامعة العربية وله دور فاعل فيها ، وفي وقت قريب يتم عقد مؤتمر قمة عربي ، لهذا فأن زيارة وفد التحالف الوطني برئاسة السيد عمار الحكيم تأخذ في الاعتبار هذه الحقائق وهو اطلاع دول الجوار العربي والاقليمي على خطوط تلك المبادرة، إضافة الى تطوير علاقات التعاون مع الاردن ومصر واحتمال تكوين محور عربي جديد داعم للعراق.
الثاني : انه ليس بمقدور التحالف الوطني ان يبقى يخفي حقيقة وان كانت مرة ، وهي ان كل طرف عراقي يدعي انه المنتصر وهو من يفرض شروطه على الاخرين فان هذا الأمر يعد غير مقبول، فليس هناك من ( منتصر ) حتى الان ، حتى في فترة الحرب العراقية الايرانية وكل الصراعات والحروب التي شهدها العراق ، لم يظهر ( منتصر) حتى الان ، بل ان العراق خسر كثيرا في تلك الحروب والازمات المريرة ، واحالته الى بلد متهالك ، وينبغي ان نعترف بان لكل الشركاء الاخرين لهم نفس المكانة من سنة وكرد مثلما هو للشيعة وللاقليات الاخرى ، وان بقاء التحالف الوطني يردد على انه هو الكتلة الاكبر وهو من يفرض على الاخرين شروط التسويات، فهذا يعد مجانبة للواقع وعدم قدرة على ابداء المرونة والتعامل مع حقائق الوضع العراقي على ان جميع الطوائف والقوميات والاقليات تريد ان يكون لها دور في بناء العراق كدولة متمدنة ، لاتبقى الحروب والصراعات الطابع الذي يحكم تلك العلاقة، وانما ينبغي مغادرة الحروب والازمات وحتى التمترسات الخارجة عن القانون، وانه ليس هناك من (منتصر) حتى الان بل أن الكل (خاسرون) في تلك الاصطفافات غير العقلانية لكي يكون بمقدور التحالف الوطني ان يكون مقبولا من الاخرين ليس كتحالف وطني بل شيعة عرب عراقيون يريدون مع السنة العرب والكرد وباقي الاقليات ان يكون لهم ادوار تتناسب ودورهم ومكانتهم وان يتم إشراكهم في صنع القرار الوطني، وهذا ما يمكن عده ( مبادرة ) تستحق الثناء ان كانت ( مبادرة التسوية ) تعتمد هذا التوجه سياقا لعملها المستقبلي.
الثالث : ان للعراق طموحات في تطوير علاقاته الاقتصادية والتجارية مع كل دول الجوار وبخاصة العربية منها، وان من الخطأ الاعتقاد بان شيعة العراق هم موالون لايران، بل هم لهم محيطهم العربي وهو غير قادرين على الخروج من تلك الحقيقة، بل ان التجافي مع الدول العربية هو من أبعد العراق عن محيطه العربي.
الرابع : ان أغلب قيادات وجمهور المعارضة العراقية هم في دول عربية وبخاصة الاردن الذي يحتضن اعدادا كبيرة منهم، وان اعادة الوفاق العراقي بين كل المكونات العراقية والتفاهم معهم عبر الحوار الايجابي هو من يبعث برسائل تطمين لتلك القيادات بأن بامكانها العودة لممارسة دورها الايجابي ، وبخاصة تلك التي لها موقع متميز في وسطها الجماهيري، واشراكها في أي حكومة مقبلة، واقامة جسور من العلائق المشتركة لغرس أجواء الثقة والتفاهم البعيد عن حالات التشنج وغمط حق الاخر في ان يكون له دور وطني يتناسب ومكانة هذا الدور الايجابي، لكي نعيد للعراق وحدته الوطنه وتماسكه الاجتماعي، وان الحديث عن شخصيات سياسية بعينها واظهارها على انها هي مشروع التسوية هي محاولة لاسقاط المبادرة ووضع العراقيل امام انجاحها.
ربما ( المفاجأة ) الوحيدة التي لم تكن الكتل الأخرى تتوقعها، ان يقدم السيد عمار الحكيم وهو رئيس التحالف الوطني على تسريع تمرير (قانون الحشد الشعبي) في البرلمان ، قبل فترة ، بدون إيجاد ( توافق وطني) على القانون، وهو ( المبرر) الذي جعل مشروع التسوية يواجه معارضة من قوى الاعتدال العراقي بعد ان أيقن الكثيرون إن (تمرير) مشروع القانون بتلك الطريقة من قبل شخصية كبرى كانت تمثل (منهج الاعتدال والمقبولية) تعد من وجهة نظرهم ، عدم احترام للآخر وعدم اكتراث لمطالبه، وان (الخطوة المتسرعة) كانت (حجر عثرة) لم يكن لها مايبررها ، لو تم الانتظار ليوم او يومين، لحين حصول توافق وطني، يزرع حالة من الثقة بدل الحالة التي نحن عليها الان، وهو ما ينبغي البحث عن ( حلول عملية ) لتجاوز تلك المشكلة بأسرع ما يمكن.
ومن وجهة نظرنا فأن (توجهات) للبحث في مشاريع تسويات سياسية او تاريخية او مصالحات وطنية ، من هذا النوع تجد ترحيبا لدى اطراف عراقية كثيرة تلمس ان هناك (متغيرات) جديدة لخلق حالات من القبول والرضا عن توجهات من هذا النوع تريد أعادة صياغة مشروع وطني للتسوية، يمكن ان يرفده الاخرون بما يؤدي الى نجاحه ان صدقت النوايا وتعاونت اطراف التحالف الوطني قبل غيرها في التفاهم بينها للمضي بالمشروع لكي يرى النور بدون الدخول في تفاصيل وتفرعات جزئية مع الجهات الاخرى التي ينبغي ان تقدم اورقها ايضا لكي يكتمل المشروع ، بدل ان تسعى جهات داخل التحال الوطني وخارجه العمل على إفشاله بأية طريقة لمجرد ان مشروع التسوية طرح خططا عريضة لأسس حلها من قبل المجلس الاعلى ،
وعلى كل الجهات التي يهمها ايجاد انتقالة أفضل للوضع العراقي الى الحالة التي يتمناها العراقيون ان نمضي بمشروع التسوية بعيدا عن المزايدات السياسية أو مجرد البحث عن (مكاسب انتخابية) مسبقة ، وان يجري البحث في مشروع جدي وحقيقي، بلا اصطراعات مذهبية او دينية او سياسية مقيتة، لكي نضع الحجر الاساس لبناء عراق جديد، بلا كوارث واحزان ونكبات، فالعراقيون بعد كل تلك السنوات العجاف المرة تواقون الى ان يروا مستقبل آمنا لاجيالهم، وان سنوات الحروب والاقتتال والإصطراع و (عسكرة الحياة) لابد وان تنتهي ليتم الاعتراف بالآخر، مهما كان هذا الآخر، والقبول بالتعايش بين جميع المكونات ، بلا أكثريات او أغلبيات، وهو الحل الوحيد الذي إن سار بهذا الاتجاه فانه من الممكن ان يكون انتقالة نوعية للمسار العراقي للانتقال الى الحالة الافضل، وبدونها سيبقى العرقيون ينزفون بحور الدم ولسنوات طوال، بلا جدوى، ودون أن تلوح في أفقهم بارقة أمل للانتقال الى واقع أكثر إشراقا وتفاؤلا بالمسنقبل، وهو ما يأمله ملايين العراقيين في ان يودعوا سنوات الأحزان والكوارث والنكبات الى غير رجعة، عندها نكون قد وضعنا أيدينا على اول الطريق الموصل الى النجاح.