كلما وقع حادث ارهابي في بلداننا او في بلدان العالم الاخرى، تتردد على اسماعنا مع عبارات وبيانات الشجب والاستنكار والادانة، عبارة اخرى لها وقع مختلف، تلك هي ( ان هذا الفعل لايمت للاسلام بصلة) بعض الذين ينطقون هذه العبارة وخاصة من الذين يعيشون في بلدان غير مسلمة يحاولون مقاومة مشاعر الغضب والعداء للاسلام هناك، وايضا تحسين صورة الاسلام وتقديمه على انه دين سلام وتسامح ومحبة، ولكن تلك العبارة لم تتمكن من تغيير الصورة واقناع العالم بان ما يجري ليس له علاقة بالاسلام، ومع ان غالبية المسلمين يؤمنون فعلا بذلك الا ان السؤال الذي يواجهون به انفسهم: ان لم تكن هي كذلك فعن اي دين اذن يتحدث هؤلاء الذين ينتحرون جهادا في سبيل الله؟..
البعض ينظر الى هؤلاء الذين يسميهم العالم اليوم بالارهابيين اعضاء الدولة الاسلامية( داعش) على انهم مجموعة من المغسولة ادمغتهم، او من الحثالة من البشر، او من الذين يجري تخديرهم ، او من البائسين والعاطلين وفاقدي الامل، دون ان يراجعوا بعض المعلومات عن وجود اطباء ومهندسين وخبراء الكترونيات واتصالات وعسكريين ايضا، وبعضهم ولد وترعرع وتعلم وحصل على شهاداته في بلدان اوروبية ديمقراطية، وتنعَّم بخيرها وثرواتها وعدلها وضماناتها واحترامها لحرية وخصوصية البشر، والبعض ايضا يرى انهم صنيعة الصهيونية واميركا، وربما ينطبق هذا على الدعاة والقيادات المؤثرة والشبكات المجّنِدة للقواعد، ولكن لايمكن باي حال اعتبار الاف الدواعش عملاء ماجورين، أو حتى من المغرر بهم، فغالبيتهم هم من المؤمنين فعلا بجهادهم في سبيل اعلاء كلمة الله ونشر دين الاسلام، ولكن اي اسلام؟..
هل هناك اكثر من اسلام واحد حتى يردد بعضنا ان ما يفعله هؤلاء لايمت للاسىلام بصلة، والحقيقة ان ما يفعله هؤلاء يعطي الدليل على ان هناك اكثر من اسلام واحد، ولو كان الاسلام كذلك لحاولوا نشره في بلدان تدين باديان اخرى، اما انهم يقتلون ابناء دينهم ويكفرون غالبيتهم فهذا يعني انهم يؤمنون باسلام قد لايعرفه الكثير منا، ليس مهما ان نعود الى تاريخ الدواعش وفكرهم فنسنضيع حينها بين نظرية المؤامرة وعالم الايمان المتشدد، ولكن علينا ان نعرف ان الدين عبر تاريخنا قد تغير عموديا وافقيا، فعموديا، يمكننا ان ندرك ان اسلام الخلفاء الراشدين ليس كاسلام الامويين، واسلام الامويين ليس كاسلام العباسيين، وهكذا مع المغول والسلاجقة والصفويين ومن ثم الاتراك، وايضا في يومنا هذا، ولوكان احد الخلفاء حاضرا بيننا اليوم لشق راسه وهو يرى طبيعة تقاليدنا واعرافنا واخلاقنا المختلفة كثيرا عما كان المسلمون عليه انذاك، ولكن هل هذا خطأ، او انحراف عن الدين، وهل ما نعيشه الان هو الافضل لنا كمسلمين ام ان الدين كان يفرض ان تكون حياتنا جامدة على صورة واحدة طيلة اربعة عشر قرنا؟.. يمكن لنا ملاحظة الحجم الاكبر للتغير في التقاليد والاعراف في البلدان الاسلامية البعيدة عن جزيرة العرب كماليزيا واندونيسيا والهند، او تلك التي يختلط الاسلام فيها مع المسيحية كما هي بعض بلدان افريقيا الوسطى، اذ اننا كعرب نجمع بين هويتين هي الاسلام وحاضنته، وهذا يعني اننا كبشر مثلما أثر الدين في سلوكنا، الى حد انه صنع لنا تقاليد واعراف اسلامية، الا اننا ايضا اثرنا فيه واعطيناه بعض طبائعنا المتغيرة اصلا مع تغير الزمن، ولعب رجال الدين دورا مهما في تطويع الشرائع والتلاعب ببعض نصوصها بمايخدم مصالحهم ومصالح الحكام الذين استغلوا البعض منهم لتقوية حكمه واكتساب شرعيته، ولعل من يراقب نمو الانتماء القبلي في بعض بلدان العرب يكتشف الهوة الكبيرة بين شريعة الاسلام وشريعة القبيلة التي يجري تطبيقها بغض النظر فيما اذا كانت تطابق الاسلام ام لا، ناهيك عن التناقض الذي يعيشه المسلم في بلدان افريقيا الوسطى بين الدين الذي يؤمن به وبين السلوك الاجتماعي الذي يمارسه، اما افقيا فان الاسلام قد تعددت مذاهبه وتنوعت مرجعياته وكل من تلك المذاهب يعتقد انه يملك الحقيقة وينطق باسمها، واذا كنا نتعامل مع هذه المذاهب كواقع قائم فلماذا اذن لانتقبل الوهابية ووليدها داعش كمذهب جديد آخر؟.. ألأنها تتخذ من العنف
وسيلة لنشر مذهبها؟.. لو لم تكن هناك مقاومة عنيفة لها لما احتاجت الى العنف، الم يتم نشر الاسلام اساسا بقوة السيف؟.. ام لاننا نعتقد انها خارجة عن الاسلام؟.. الا ينظر بعض مذاهبنا للاخر على انه خارج عن الاسلام؟..
ليس الهدف من اسئلتي هي اعطاء الشرعية لداعش وللارهاب، فانا كانسان ومسلم اؤمن تماما يالعقيدة الصحيحة التي وردت على لسان الرسول محمد ( المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) وهذا يعني ان كل النشاطات غير السلمية هي نشاطات غير انسانية وغير منطقية ولايمكن القبول بها سواء كانت اسلامية ام لا، غير ان القصد من الاسئلة هو العودة الى ما نردده احيانا من ان ما يقوم به الارهابيون الدواعش لاصلة له بالاسلام؟..
ان الذين يرددون ذلك ليسوا على خطأ، مادام بعض مذاهبنا تنظر للاخر على انه خارج عن الاسلام، فيحق لاي منا لايؤمن بفكر الدواعش او من المسلمين المسالمين الذين لا يتخذون من العنف والارهاب والتشدد وسيلة لايمانهم وتقربهم الى الله ان يرددوا ذلك، مثلما يردد ايضا من ينتمي الى الميليشيات التي تستخدم العنف دفاعا عن مذهبها والتي تمارس القتل والعنف لاهداف وغايات قد تختلف عن غايات داعش الا انها تفعل ذلك لنفس الاسباب وبنفس الوسائل، المنطق اذن واحد وهو منطق تكفير الاخر بين الجماعات الاسلامية، ولكن بطريقة تسطيح المضمون وربطه برفض العنف والارهاب..
ولكن الذين يرون ان مايفعله الدواعش هو نتاج حقيقي وصادق وتعبير دقيق عن الاسلام كثيرون ايضا، غير المسلمين يحق لهم ان يربطوا تلك الافعال بالاسلام، فالوقائع تؤكد ان كل ما قامت به داعش كان تحت راية الله اكبر، اما المسلمين فان بعضهم ينطلق اساسا من التشكيك في حقيقة التسامح الاسلامي، مستشهدا ببعض مشاهد التاريخ التي احتوت على العنف المفرط ، وايضا بحقيقة انتشار الاسلام بالقوة وبالسيف، وهذا المنطق فيه من الظلم والتجني الكثير على الدين وعلى التاريخ، اذ اننا لا يمكن ان ننظر الى حوادث التاريخ بمنظار اليوم وبقياسات عقلية الحاضر وقوانينها الحالية، كما لا يمكننا ايضا ان نعتبر العنف نتاجا اسلاميا خالصا، بل هو نتاج بشري مارسته كل التجمعات البشرية عبر التاريخ والى يومنا هذا، لعل قنبلتي هيروشيما وناكازاكي يعطيان دليلا قويا على ما نقول، ومذابح بورما ضد المسلمين، وضحايا الفصل العنصري في جنوب افريقيا، ومذابح رواندا، اما الحروب المسيحية ففيها من العنف ما هو ابشع بكثير..
خلاصة القول، ان الارهاب والتشدد الاسلامي، هو ليس وليد الاسلام فقط، وانما وليد هذا العصر المرتبك والمظطرب، وليد الصراعات الدولية والاقليمية، لو لم يحتل الاتحاد السوفيتي افغانستان لما وجدت القاعدة، ولو لم تحتل اميركا العراق لما جاء الزرقاوي، ولو لم تتحرك ايران في البحرين لما تحركت السعودية في سوريا، ولو لم تمتد ايران في العراق لما قامت الدولة الاسلامية في الموصل، خيوط متشابكة تلك التي تصنع الاحداث التي لم تعد ابنة رجل واحد، الاباء كثيرون ولكننا ننسب الابناء الى الام فقط، ويبقى للابناء تاثيراتهم الخاصة، مثلما للاحداث تاثيراتها التاريخية الكبرى، فالمسلمون والاسلام بعد حالة الجمود التي هم فيها بحاجة الى صدمة قوية لمواجهة الذات والبحث عن اسلام له طعم الحداثة والفاعلية..