19 ديسمبر، 2024 12:10 ص

قراءة تحليلية لسلوكيات سياسية…!

قراءة تحليلية لسلوكيات سياسية…!

ما جرى في العراق بعد العودة من الزيارة يشير إلى إحتمالات وتداعيات وأسباب وتطورات مرسومة وخفية ومعلومة, ولا بد من قراءة المشهد بعين العقل والتحليل العلمي الموضوعي , لكي تكون أبجديات التفاعلات الجارية والآتية ذات وضوح مقبول.
وسأحاول الإقتراب من الحالة برؤية تحليلية ذات أبعاد نفسية وسياسية وفكرية وستراتيجية.
فعندما نتفحص الموقف والتطورات والتداعيات يمكننا أن نأتي بالإفتراضات التالية:

أولا: العودة
والمقصود بها عودة القوات المنسحبة بحجة أن العراقيين غير قادرين على تحمل مسؤولية البلاد , وأنهم سيدفعون بها إلى ما يتعارض مع المصالح الستراتيجية للقوات التي كانت فيها. وقد أكدت التصريحات بعدم حصول ذلك , ردا على وجوب العودة , أو إعادة الإحتلال التوافقي. لكنها السياسة التي تهتم بالمصالح وحسب.

ثانيا: تغيير الوجوه
ما أن إنتهت الزيارة حتى ظهرت مقالات في الصحف العالمية كالواشنطن بوست , تؤكد بوضوح على ضرورة تغيير السيد الزائر لأن العراق يستأهل أفضل منه , وقد رد مكتبه على هذه الطروحات المنشورة لكاتب لا يكتب من وحي خياله وإنما وفقا لمعلومات دقيقة ومؤكدة من مصادرها المعروفة. وقد يعني ذلك إنتهاء الدور والأهمية بعد التوقيع على جميع الإتفاقيات المطلوبة.

ثالثا: التوقيت
ما جرى في العراق كان متزامنا مع الزيارة , وكأن القرار قد أتخذ في مكان الزيارة وقبل العودة. ولا يمكن لعاقل أن يقتنع بعدم وجود علاقة ما بين الزيارة وما حصل بعدها فورا. فهل تم إستخدام الزائر لأغراض خفية مبيته لم يدركها ويقدر مخاطرها , أم أنها ترضي رؤاه وتطلعاته؟

رابعا: الإنتخابات
من المعلوم أن الحزب الجمهوري ليس من مؤيدي الإنسحاب , وأنه قد عارض هذا التوجه , ويريد أن يتخذه كورقة ضاغطة في الإنتخابات القادمة , وليبرهن بأن قرار الرئيس غير صائب , وهذا ما أخذنا نقرأه ونسمعه في التصريحات والكتابات , وكون الحرب قد كسبناها لكننا خسرنا السلام , وأن هناك أصوات تنادي بضرورة الرجوع , لأن الحكومة في العراق قد قدمت الدليل على عدم القدرة على التفاعل الديمقراطي.

خامسا: إيران المستهدفة
قد تكون الحالة مرتبطة بما هو مبيّت لإيران , التي يُراد الإيقاع بها أكثر وأكثر في المستنقع العراقي , وتأليب الرأي العربي ضدها لكي تكون معزولة , وتتلقى الهجمات لوحدها وبتسهيلات إقليمية, كما حصل للعراق , وما تقوم به الحكومة الإيرانية قد لا يختلف عما فعله التظام العراقي السابق , ويكرره النظام الحالي أيضا.

سادسا: تقسيم العراق
ربما المسعى جاري لتأكيد خطة تقسيم العراق , بتوفير الظروف المواتية , ووضع الشعب أمام الأمر الواقع , وإقناعه بأن لا مخرج من المأزق إلا بالتقسيم وفقا لما هو مخطط له ومعمول به منذ البدء. فالخطوة ذات أبعاد تفتيتية , والتصريحات التي سبقتها وضعت الصفة العراقية في المرتبة الثانية وليست الأولى , وهذا يعني أن الغاية الدفينة هو التقسيم أو التشطير.

سابعا:غياب الحكمة والخبرة السياسية
ما حصل لا ينم عن خبرة وحكمة سياسية , وسلوك قيادي رشيد , وإنما يؤكد الإنفعالية وردة الفعل الغير محسوبة , والتوهم بالقوة والقدرة على فرض الإرادة والنفوذ. وهذا يعني أن الحكومة غير مؤهلة لإدارة البلد والحفاظ على مصالحه , ولا تمتلك قدرات وآليات إتخاذ القرار النافع للعراق. فالمشكلة يمكن حلها بعدة طرق , والتفاعلات المتناقضة يمكن إيجاد القواسم المشتركة اللازمة لوضعها في مسيرة المصلحة العامة. ومهما تكن الإتهامات والمخالفات القانونية , فأن حلها يمكن أن يكون بأساليب غير عدوانية وإنفعالية ومحتقنة بما لا ينفع الوطن والمواطن.

هذه بعض المؤشرات اتي ربما تدفع إلى ما يلي:

أولا: عودة الإحتلال
الحكومة تعودت أن يكون في العراق قوة أخرى مساندة لها , وبغياب ذلك , عبرت عن قلق الإعتماد والخوف والشك والإحتراز , وهذا تفاعل وارد  , كما يحصل للطقل الذي ينفصل عن أمه. وفي هذه الحالة ربما ستوفر الحكومة الظروف اللازمة لعودة الإحتلال ,. فأما أن يكون العراق محتلا من ذات القوة التي إنسحبت , أو أن إيران ستكون هي القوة المحتلة لملئ الفراغ والحاجة النفسية للحكومة العراقية. ويبدو أن إيران هي المرجحة لأنها ستخدم الستراتيجية المرسومة وآليات الأحداث القادمة.

ثانيا: تغيير الحكومة
ويبدو أن البساط قد سحب من تحت أقدام رئيسها , وتم ترغيبه وتوريطه بإتخاذ قرارت صعبة تم مناقشتها أثناء زيارته , مما جعله في موقف لا يُحسد عليه , ولأن حساباته غير حساباتهم , وما يراه بعيد عما يرونه ويقدرونه ويريدونه. وذلك خيار ربما تشير إليه آلية إتخاذ القرار بمقاصده وسرعته وتداعياته , والتي تستدعي الإقرار بعدم صلاحية ما هو كائن للحكم.

ثالثا:إعادة كتابة الدستور
ربما سيكون الحديث عن هذا الموضوع كوسيلة لتلافي المنزلق القائم ومنع التهاوي فيه , لكن الظروف التي إستجدت ذات طاقة إنفعالية غير صحيحة للنظر في أمر كهذا. لكن كتابة الدستور من جديد ووضع مواد وبنود وطنية خالصة بعيدا عن آليات المحاصصة والتناحر الدفين , وقد يكون هذا مطلبا وطنيا وأمنيا في الوقت الراهن.

رابعا: إعادة الدكتاتورية
من الأفكار المتداولة في الصحف العالمية , أن الذي يجري في العراق سيجيب على سؤال هل أن العراقيين يصنعون طغاتهم؟ وما تشير إليه العديد من الآراء , بأن العراقيين لا يمتلكون قدرات العمل الديمقراطي المعاصر , وأنهم هم الذين صنعوا ما صنعوه من الطغاة , وها هم اليوم يميلون إلى ذلك. وقد ظهرت مقالات عراقية تطالب بعودة الدكتاتورية , وهذا سلوك منافي لمستجدات العصر والتطورات الإقليمية والعالمية. والواضح فيما حصل أن النفس الإستبدادي يلوح في طيات الخطاب وقسمات الوجوه.

خامسا:إلغاء فكرة المشاركة
ذكرنا في مقالات سابقة أن المشاركة لا تصلح للعراق لأن الغايات ليست وطنية , وإنما فئوية , فالتفاعل السياسي العراقي ومنذ سقوط النظام الملكي قد أجهز على فكرة المشاركة ومحقها تماما. ولم تتمكن قدرات التأهيل العلمي من تطويع السلوك العراقي للفبول بها كمبدأ أساسي من ركائز التحول الديمقراطي. فالسلوك العراقي بعمومه يميل إلى الفردية والحكم المطلق, وهذه تربية وسلوك قائم ي المجتمع. وليس غريبا أن يتم الإجهاز على المشاركة السياسية , لأن التاريخ المعاصر يؤكدها , وأن التوجس والخوف والشك يدفع إلى تدميرها.

سادسا: إجراء إنتخابات
من الأفضل اللجوء إلى الإنتخابات للوصول إلى بنية برلمانية وسياسية جديدة بعد الإنسحاب. لأن في ذلك تعبير جديد عن الدور والحرية والشعور بإمتلاك الإرادة وتقرير المصير. إن الإنتخابات هي الصراط المستقيم الذي يجب أن تدرسه الحكومة للحفاظ على العراق والعراقيين من أي داهية وشرور وأخطار تلوح في الأفق.

سابعا:مجلس الخبراء
من الضرورة تأسيس مجلس يضم علماء ومفكري العراق وفق مواصفات مهنية وعلمية تؤسس لدراسات وتحليلات نافعة للبلد في جميع المجالات , وأن يكون للمجلس رأي في القرارات المهمة والمشاريع التي تتعلق بالوطن والمواطنين. فليس من المعقول أن تهمل الحكومة العقول العراقية المتنورة ولا تسترشد برؤاها في مواجهة الصعاب والأزمات.

هذه بعض الإضاءات المقتضبة التي قد تنفع وتهدي إلى خير العراق , ونرجو أن يكون الإعلام هادئا , والأقلام حليمة وواعية , وأن ينشعل الناس بالبناء وبمصالحهم الإقتصادية والعمرانية والإجتماعية , بدلا من ولوج هذه المستنقعات المضطربة المتعفنة بأفكار السوء والضلال.
فالوطن هو وعاء الجميع , ولا شيئ يعلو على الوطن , لأن العراق يبقى وكل قوي يمضي إلى حتفه ويزول.
فالقوة لله والوطن.
فاعتبروا يا ألو الألباب , أم أنكم تعمهون؟!