23 نوفمبر، 2024 4:41 ص
Search
Close this search box.

انتخابات المجالس المحليّة بين الواقع والطموح

انتخابات المجالس المحليّة بين الواقع والطموح

ليس من المنطق والفطرة السليمة ان يستمر الأنسان علي تكرار الممارسات الخاطئة أو الفاشلة بعد سلسلة تجارب لهذه الممارسات، إلا اذا كانت هناك أغراض غير سويّة أو ضيّقة وانتهازيّة لإستمرار الأصرار على تكرارها.
ان تجربة ثلاث دورات انتخابية سابقة لإداء مجالس المحافظات إتسمت بانتاج شريحة تنفيذية لم تكن بالمستوى المقبول في الأداء وشابها الكثير من الفساد بشتى صوره ولم تقدم للمحافظات بشكل عام من الأنجازات إلا النزر اليسير والبطيء لسكان هذه المحافظات خصوصاً غير المضطربة منها وهذا استناداً لمعطيات الاجهزة المختصّة تخطيطياً وادارياً ورقابياً كأحصاءات وزارة التخطيط وتقارير ديوان الرقابة المالية وغيرها، ناهيك عن اعتراف كبار السياسيين والمسؤولين التنفيذيين والشخصيات الاجتماعية وفي عدة مناسبات بان اداء المجالس والحكومات المحلية لم يكن بالمستوى المقبول.
اذن لنراجع الأسباب والعوامل التي أدّت الى هذا التراجع المستمر. ان احد اهم هذه الأسباب هو نوعية المجالس المحلية وخصوصاً مجالس المحافظات التي تمارس مهمتين اساسيتين هما مهمة اختيار اعضاء الحكومات المحلية ومهمة الرقابة على اداء هذه الحكومات بنفس الوقت، ان هذه المهمة المزدوجة تكون غير جديّة وفاعلة بسبب سيطرة اغلبية حزبية على مجلس المحافظة هي التي تختار المحافظ من كتلتها وبالتالي تقوم بمهمة التغطية على الأخطاء التي ترتكبها الحكومة المحلية وتجد التبريرات لها، وللتمعن بسبب نشأة هذه الحالة السلبية نجد ان النظام الانتخابي المتبع يشكل العامل الرئيس لتفشي واستفحال هذه الظاهرة، هذا النظام الذي كرّس استيلاء كتل حزبية بعينها أمّنت بقائها من خلال الأستيلاء على الوظائف العامة في المحافظة بشكل هرمي ساعدة على وجود شريحة من الناخبين المنتفعين من هذه الكتلة السياسية، وتحاول دائماً هذه الشريحة الانتخابية ان تحافظ على استمرار كتلتهم السياسية في حكم وادارة المحافظة لكي يضمنوا استمرار لقمة عيشهم بل واستمرار امتيازاتهم، هذا الكلام ينطبق على كل المحافظات المرتبطة وغير المرتبطة باقليم. هذه هي نتيجة غياب عنصر المحاسبة الشعبية التي يضمن وجودها النظام الأنتخابي المنصف والعادل، حيث ان وجود نظام انتخابي من هذا النوع يهدد استمرار الكتل التقليدية القابضة على زمام السلطتين التنفيذية والرقابية في المحافظات التي لم تشهد انجازات حقيقية طلية الثلاث دورات السابقة.
مع الأخذ بعين الأعتبار ان بعض المحافظات يتقاسم ادارتها كتلتين أو ثلاثة في بعض الأحيان كقسمة الغرماء مع الأفضلية طبعاً للكتلة الأكبر فيها.
في الحقيقة انه ليس من الخطأ اذا كان النظام الأنتخابي عادل ومنصف ان يسيطر حزب واحد او ثلاثة احزاب باستمرار على مقاليد مجلس المحافظة وحكومتها بشرط ان تنتج هذه الأحزاب شخصيات حزبية
رصينة وذات مقبولية شعبية تتمكن من احداث التغيير والنمو الجدي للمحافظة، لكن واقع الحال ان هذه الأحزاب تمارس المحسوبية الحزبية المبنية على عنصر الولاء وليس الكفاء والنزاهة اضافة الى اختيار شخصيات خصوصاً للمراكز التنفيذية من الشخصيات المناضلة والتي قدمت التضحيات في مقارعة النظام السابق سياسياً لكنها تفتقر للخبرة والكفاءة العلمية والأدارية مما ادى الى فشل كثير من الأدارات العاليا والوسطيّة في المحافظات التي تسنّموا ادارتها، حيث كان من المفروض تُكرّم هذه الشريحة مادياً ومالياً واجتماعياً بدلا من تكريمها باعطائها مناصب تنفيذية مهمة، وقد يكون وجودها في السلطة (التشريعية) للمحافظة أفضل من تسنمها للمناصب التنفيذية.
ان الأحزاب السياسي التي لا تحظى بالمقبولية الشعبية أوالتي تعتقد ان شعبيتها قد تدنّت من خلال التجارب الثلاث السابقة والفاشلة نسبياً تحاول دائما استخدام نفس القوالب الانتخابية السابقة التي تأبّد وجودها على هرم السلطات في المحافظة، لا بل تحاول تطوير النظام الانتخابي ليكون أكثر ايغالاً بانتهاك عناصر العدالة والانصاف والمساواة في العملية الانتخابية. وهذا ما حصل في مسودة مشروع قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية المقدم من مجلس الوزراء الى مجلس النوّاب العراقي مؤخراً، حيث يشكل عودة لما قبل المربع الانتخابي الثالث والثاني، أي الى ما قبل الدورة الانتخابية الحالية وسابقتها الدورة الانتخابية الثانية.
لذلك اعتقد ان يتم تغيير النظام الانتخابي ليكون على الوجه التالي:
* تقسم المحافظة الى دوائر انتخابية بعدد الاقضية التابعة للمحافظة.
* يتم الترشيح لانتخابات مجلس المحافظة والقضاء في الدائرة الانتخابية بالترشيح الفردي أو بقوائم حزبية لايقل عدد المرشحين فيها عن 4 على ان تكون من بينهم امرأة واحدة على الاقل، ولا يزيد عدد المرشحين على عدد المقاعد المخصصة للقضاء كدائرة انتخابية تابعة لمجلس المحافظة زائداً عدد المقاعد المخصصة للقضاء التابعة لمجلس القضاء.
* تكون عملية التصويت على المرشحين حسب طرقة الفائز الأقوى، بان يكون تصويت الناخب لمرشح واحد فقط من قوائم المرشحين الحزبية او للمرشح الفردي.
* بعد فرز النتائج يتم ترتيب جميع المرشحين في الدائرة الانتخابية بقائمة واحدة تبدأ بمن حصل على اكثر الأصوات وتنتهي بمن حصل على اقل الأصوات.
* (لو فرضنا ان الدائرة الانتخابية – القضاء – حصته من مقاعد مجلس المحافظة هي 7 مقاعد وحصته من المقاعد كمجلس قضاء هي 12 مقعد) فيتم في المرحلة الأولى اختيار أول 7 مرشحين من الحاصلين على أعلى الأصوات لعضوية مجلس المحافظة من القائمة التي اعيد ترتيبها لكل المرشحين في الدائرة الانتخابية من الأكثر وتنتهي بالأقل اصواتاً. والمرحلة الثانية باختيار 12 مرشحاً من المتبقين في القائمة ممن حصلوا على اعلى الاصوات ليكونوا اعضاء في مجلس القضاء، طبعاً مع مراعاة نسبة النساء وحصة (كوتا) الأقليات.
* يحق للفائز من المرشحين لعضوية مجلس المحافظة طلب الانسحاب وعدم ادراجه لعضوية هذا المجلس اذا كان يرغب بعضوية مجلس القضاء ويبقى اسمه ضمن قائمة المرشحين لمجلس القضاء وبتسلسل حسب ما حصل عليه من اصوات. وايضاً يحق للفائز بعضوية مجلس القضاء طلب الأنسحاب وعدم ادراجه ضمن الفائزين لمجلس القضاء لأي سبب كرغبته ان يبقى ضمن قائمة المرشحين الأحتياط التي من المحتمل ان يحصل على عضوية مجلس المحافظة في حال شغور احد مقاعد مجلس المحافظة.
* ان يشترط في القانون ان كل من مجلس المحافظة المنتخب ومجالس اقضية المحافظة المنتخبة يجب ان تعقد اول جلساتها خلال اول عشرة ايام بعد المصادقة على نتائج الانتخابات وبخلافه يعتبر المجلس المتخلف عن ذلك منحلاً وتعاد الانتخابات لمجلس القضاء المتخلف عن الموعد او مجلس المحافظة المخالف لهذا الشرط ، ومن الأفضل تغريم المتسببين الذين لم يحضروا الى مقر المجلس المعني في اليوم العاشر المحدد لانعقاد المجلس المعني لمخالفتهم هذا الشرط بغرامات او عقوبات يحددها المشرع. وفي حال تعذر حضور اغلبية اعضاء المجلس المعني لسبب او لعذر مشروع او لظرف طارئ ال المكان المحدد لانعقاد الجلسة الأولى للمجلس المعني فيعتبر تاريخ اليوم العاشر انعقاداً شكلياً للمجلس تحتسب من تاريخه الأربعة سنوات تقويمية.
* بعد المصادقة على نتائج الانتخابات مباشرة تجري عملية انتخاب المحافظ بفتح باب الترشيح لجميع المؤهلين لهذا المنصب في المحافظة بما فيهم اعضاء مجلسي المحافظة والقضاء وحسب نفس الدوائر الانتخابية في المحافظة ويكون الفائز الأول هو المحافظ والفائز الثاني هو نائب المحافظ وبعد ذلك يتم اختيار الفائز الأول في القضاء لمنصب القائم مقام والفائز الثاني لنائبه.
* العبرة من هذه الطريقة ان الناخب في الدائرة الانتخابية (الحدود الادارية للقضاء) قد اختار من يعتقد انه يمثله وباختيارة سواء كان عضو في مجلس المحافظة او في مجلس القضاء، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن من حصل على اعلى الأصوات يستحق ان يمثل دائرته في مجلس المحافظة (المحفل الأعلى) عن ان يمثل دائرته في مجلس القضاء (المحفل الأدني) مع احتفاضه بحق الأنسحاب في حال رغبته هو بتمثيل دائرته في مجلس القضاء، وهكذا بالنسبة للفائزين بعضوية مجلس القضاء في حال رغبتهم بعضوية مجلس المحافظة على أمل حصول شاغر في عضوية مجلس المحافظة او لأي سبب آخر.
تمتاز هذه الطريقة بالمميزات والايجابيات التالية:
1. وحدة الدورة الانتخابية لمجلس المحافظة ومجلس القضاء.
2. تقليل التكاليف بنسبة أكثر من 50% خمسون بالمئة.
3. تراعي التمثيل المكاني (الجغرافي) للمحافظة، وليس التمثيل الأكثر لمركز المحافظة.
4. تساعد على صعود الأكفأ الحاصل على اعلى الاصوات.
5. تساعد على تنوع المكونات الحزبية والمناطقية للمحافظة
6. تضع المرشح الفائز امام المحاسبة الشعبية بمعاقبتة بعدم اعادة انتخابه في حال سوء ادائه خلال الدورة الانتخابية وتكافيء المرشح الفائز باعادة انتخابه عند حسن إداءه.
7. تجبر الاحزاب السياسية ان تقدم افضل ما لديها من المرشحين.
8. تجبر مجلس المحافظة او القضاء على الانعقاد خلال 10 عشرة ايام الأولى بعد المصادقة على النتائج وليس كما حصل سابقاً في بعض مجالس المحافظات التي تأخر انعقادها لعدم التوافق المسبق.
9. تجعل منصب المحافظ والقائم مقام اكثر قوّة واستقلالية من سطوة الأحزاب المتنفذة في المجالس ناهيك عن القضاء على حالة التستر والتغطية على سوء ادارة المحافظ والقائم مقام التي اشرنا اليها سابقاً.

أحدث المقالات

أحدث المقالات