المثقف العراقي يساهم بسلبية فائقة في تردي الأوضاع وخداع الناس والكراسي وتضليلها وتجهيلها ودفعها إلى مساوئ السبيل. وتفاعل المثقف مع السلطة والسياسة مبني على حالته الإنفعالية وتجربته الماضية , فتراه يكتب بمداد العاطفة السلبية الضارة به وبمجتمعه.
فهو المجروح والمألوم الذي لم تمنحه الظروف الفرصة للترويح والتعبير عما فيه كما حصل في تونس ومصر , وأنه لم يتلقى العلاج اللازم لتفريغ الأقياح المكبوتة في لاوعيه ووعيه والتي تظهر في كتاباته. فلم يتلقى المثقف المأزوم جلسات تفريغ لهذه الإنفعالات السيئة التي تظهر على قسمات وجهه وفي كلماته وعباراته.
وهذا ينطبق على الجميع.
ولهذا فأن البلد في مأزق إنفعالي عاطفي يميل إلى تصفية الحسابات والإنتقام.
ولا يمكن للأزمات أن تستكين من غير تفريغ إيجابي للطاقات المحقونة في الأعماق البشرية.
ويبدو أن المثقف سيبقى يساهم في تنمية المأساة دون إدراك وبصيرة , لأنه ضحية تبرير حالته الإنفعالية الباثولوجية الفاعلة في كل ما يبدر عنه.
فهو لا يكتب بلغة العقل والحيادية ونكران الذات والموضوعية , وإنما يميل مع الحالة التي تؤازر بنيته النفسية الإنفعالية الناجمة عن مسيرة التجارب القاسية.
وعندما تتفاعل الرؤى المشوهة مع السلطة , فأنها تخلق حالة متشابكة ومعقدة من الصيرورات السيئة الضارة بالحاضر والمستقبل , والمشرّعة لتداعيات أقسى من الماضيات وأفظع. وهذا ما يتحقق في متوالية العراق الهندسية الدامية من الويلات اللامعهودة.
ويبقى للقلم تأثيره ودوره في جميع العهود , ولا تشذ فترة عن أخرى , وخلاصة ما يقوم به البعض هو أن يدين بدين الكرسي , ويطلق العنان لقلمه لكي يكون مساندا ومدافعا بلا هوادة عن كل ما تقوم به الكراسي , وهذا يعني أن لديه ميول إنتهازية ونفعية وقدرة عالية على خيانة الكلمة ورسالة الحقيقة والمعرفة الصادقة الأصيلة.
ومما يؤلم , أن نقرأ العديد من الكتابات المتطرفة والميالة إلى تغذية أسباب الفرقة والضياع والخسران , وفيها نوازع تحشيدية لخلق إضطرابات وتفاعلات مؤسفة في المجتمع , مما يحطم الحياة ويقضي على المستقبل ويمنع الأجيال من التواصل والعطاء الوطني المفيد.
وهكذا ترانا في أجيج الصراعات الإنفعالية الشديدة الطاقات العاطفية , وحب الإنتقام والعدوانية والنيل من بعضنا البعض , وفي هذا إحتراق وطني وإنتحار جماعي أكيد.
فالسلوك السياسي في العراق وعلى مر العهود قد ساهمت الأقلام في تعزيز إنحرافاته وأخطائه وخطاياه , لأنها تنطلق من منافعها الذاتية وأزماتها الشخصية , وما تمليه عليها جراحاتها الإنفعالية ودماملها العاطفية المحتقنة.
وتبدو كتاباتنا ذات منحى دفاعي وتبريري وتسويغي , وفيها إرضاء لرغبات حبيسة وأخرى مفلوتة في الطرف الآخر , حتى تتماهى الأقلام مع الآخر وتعزز سلوكياته الرامية إلى التعبير عن دوافعها الكامنة.
وفي هذا تجنّي على الحاضر والمستقبل , ومشاركة في إقامة العثرات الحضارية وليس إقالتها من مسيرة الأجيال , ولذلك فأن الأقلام ربما ترتكب جريمة بحق الوطن والمواطن دون قصد منها أو بقصد.
ويبدو أن البلد يمر بمرحلة حرجة ويقف على حافةٍ حادة , فالمطلوب أن تكون الكتابة بمداد الأخوة والتفاعل الوطني القويم , وأن لا نمعن بأساليبنا الإسقاطية والتبريرية والترويحية.
إن الوطن والتاريخ والإنسانية كلها تطالبنا بأن نكون بحجم المسؤولية ونقدّر قيمة العراق ودوره وأهمية كرامة الإنسان العراقي.
فالبلدان لا تبنى بتصفية الحسابات والصراعات الدامية والعدوانية والكراهية والثأر, بل بالمحبة والألفة والتكافل والتعاون والتماسك الوطني , الذي يضع راية الوطن ووحدته وأمنه وسلامة أبنائه فوق أي إعتبار, وبعقد إجتماعي حضاري إنساني يكفل الحقوق والواجبات , ويصون كرامة الإنسان وحريته في التعبير عن دوره ورأيه وطموحاته.
ولا يمكن لمجتمع أن يكون إذا سرت فيه فايروسات الكراهية والإنتقام والعدوان.
فاتقو الله في الوطن والشعب فيما تكتبون أيها الكتاب الأفاضل , فالكلمة الطيبة صدقة والكلمة الخبيثة شر ودمار وجحيم وآلام.
وتحية للكلمة الصادقة العاقلة الحليمة الحكيمة التي تأسو جراح الويلات وتمنح النفوس الأمل والمحبة والسلام.
فلنتراحم ونتوادد ونتعاضد ونكون كالجسد الواحد , ولنؤمن بأننا عراقيون.