18 نوفمبر، 2024 1:34 ص
Search
Close this search box.

علي ينتج الحياة …والسفهاء ينتجون الفوضى

علي ينتج الحياة …والسفهاء ينتجون الفوضى

يبدو أن إحقاق الحق من قبل الأمام علي (ع) في حكومته التي تسنمها ,ووضعه للأمور في نصابها الصحيح,ونصرته للمظلومين والدفاع عن الضعفاء ,ومعاملة المجتمع بإنسانية دون النظر للجنس واللون والدم ,كان يقف من الجميع على مسافة واحدة ,لم ترق لصانعي الطبقية والفوقية في زمانه هذه الفلسفة ,مسكه بالحق وصرامته في تطبيقه قد جعلت كثيراً من سادة قريش وزعماء العرب يعادونه فكانت المشاكل والتحديات على قدمٍ وساق ,بدءاً من الحروب ,وانتهاءً بالتشويه والتسقيط الذي مورس من قبل أعدائه في محاولة لإزالة بريق هيبته والتقليل من مكانته بين الأمة ,فكر علي تمخض بإنتاج دولة يعيش في كنفها جميع المكونات والهويات والانتماءات,وهذا كان واضحاً في احترامه وعدالة توزيعه للخراج من بيت المال لا فرق بين عربي وأعجمي ,ففي وصيته لمالك الأشتر يوصيه بالمساواة بالتعامل مع الناس بأن يكون عطوفاً محباً لهم { وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك. وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم. ولا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا يدي لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته} الدولة في نظره ليست سجون وإعدامات ومشانق وخوف يرعب به الناس,وإرهاب فكري وجسدي ينتزع منهم الاعترافات بقوة الحديد والنار,إنما هي صناعة إنسان يعيش بمقومات بنيته التي تشكل هويته من حيث صدقة وإخلاصه ووفاء بالعهد وحسن معاملته لمجتمعه وأدائه للأمانة ,فلا قيمة للدولة وشعبها تصادر حرياته ,حرية الرأي ,والتعبير,والانتقاد ,وممارسة فكر يعارض السلطة دون المساس بأمن المواطنين ؟هذه جميعها أقرها الإمام ,فقد قالها بملء الفم لعبد أبن عباس ما قيمة هذه؟- مشيراً إلى نعله – قال: لا قيمة لها ,فقال الإمام: (والله لهي أحب إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً),امتزاج مفهوم حقوق الإنسان عند الإمام علي بحقوق الأمة، فلا يمكن أن تحترم حقوق الإنسان

وتصان إلا في مجتمع الحق والحرية والعدل الاجتماعي, ومن هنا فإن السلطة لم تكن أبداً في نظره غاية في حدّ ذاتها، ولم يسعَ إليها في يوم من الأيام، بل كان من أزهد الناس في السلطة، ولما جاء المسلمون لمبايعته بالخلافة قبل أن يتولى المسؤولية الأولى في جهاز الدولة الإسلامية الفتية (أي الخلافة) لتكون أداة المقاومة مظاهر الحيف والانحراف ولإرجاع الحقوق إلى أصحابها،حتى خوضه للحروب الطاحنة لأجل أن يقيم الإصلاح ويؤمن المظلومون من العباد ,وقالها { أيَّتُهَا اَلنُّفُوسُ اَلْمُخْتَلِفَةُ وَ اَلْقُلُوبُ اَلْمُتَشَتِّتَةُ اَلشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ وَ اَلْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ أَظْأَرُكُمْ عَلَى اَلْحَقِّ وَ أَنْتُمْ تَنْفِرُونَ عَنْهُ نُفُورَ اَلْمِعْزَى مِنْ وَعْوَعَةِ اَلْأَسَدِ هَيْهَاتَ أَنْ أُطْلِعَ بِكُمْ سِرَارَ اَلْعَدْلِ أَوْ أُقِيمَ اِعْوِجَاجَ اَلْحَقِّ اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ اَلَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَ لاَ اِلْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ اَلْحُطَامِ وَ لَكِنْ لِنَرِدَ اَلْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَ نُظْهِرَ اَلْإِصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ فَيَأْمَنَ اَلْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَ تُقَامَ اَلْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ وَ سَمِعَ وَ أَجَابَ لَمْ يَسْبِقْنِي إِلاَّ رَسُولُ اَللَّهِ ص بِالصَّلاَةِ وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اَلْوَالِي عَلَى اَلْفُرُوجِ وَ اَلدِّمَاءِ وَ اَلْمَغَانِمِ وَ اَلْأَحْكَامِ وَ إِمَامَةِ اَلْمُسْلِمِينَ اَلْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَ لاَ اَلْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَ لاَ اَلْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَ لاَ اَلْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَ لاَ اَلْمُرْتَشِي فِي اَلْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَ يَقِفَ بِهَا دُونَ اَلْمَقَاطِعِ وَ لاَ اَلْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ اَلْأُمَّةَ} كان الطرف الآخر وظيفته إفشال مشروعه خوفاً من ضياع سطوته على رعيته ,باستعمال أقسى أنواع القسر والتعسف والانحراف بغرسه لقيم دخيلة على الأمة والترويج لها ثم اعتبارها قيم أصيلة تتبناه الأمة بسطوة سلطته فيما بعد عندما حظي بالملك وحوله لملك عضوض يحرم الناس من أبسط حقوقهم ,ويسلط عليهم أراذل القوم وسفهائهم بأن يسيئوا لهم ,والمبررات جاهزة ومصطنعة,منها الخروج على الدين أو انتهاك حرم الإسلام أو المجيء بأفكار جديدة مضرة بالمجتمع ,أو شق عصا المسلمين بعدم إطاعة ولي الأمر,غيبت الحريات وأصبحت هنالك حرية واحدة مفادها التمجيد والتهليل للرمز الذي بيده السلطة المستبد بها دون مراعاة شعبه ,والخارجين عن هذا المسار فليتبوأ مقعدهم من التغييب أو الموت ,السفهاء يعيشون الفوضى الذاتية التي تشكل ملامحها أمراض اجتماعية يريدون من خلالها إسقاطها على مجتمعهم ,فما بالك بهؤلاء وهم يتسلمون مواقع السلطة والمسؤولية ويتلاعبون بمقدرات الناس أي كارثة ستحل بالأمة !!!! ويا أسفي هذه النكرات تدير دفة الحكم. 

أحدث المقالات