17 نوفمبر، 2024 3:30 م
Search
Close this search box.

افول التيار الاسلامي في اقليم كوردستان

افول التيار الاسلامي في اقليم كوردستان

منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في بداية عشرينيات القرن الماضي وكرد فعل على الاحتلال البريطاني للعراق قاد الشيخ محمود الحفيد كشخصية دينية معروفة ثورة ضد الاحتلال البريطاني وعقب اعلان الجمهورية التركية في 1923 قاد الشيخ سعيد في كوردستان ثورة ببعد قومي ضد قرار الغاء الخلافة الاسلامية العثمانية الذي اتخذه مصطفى كمال اتاتورك.
لم يكن في تلك المرحلة اي تنظيم سياسي اسلامي لقيادة الجماهير ، بل كانت التأثيرات الشخصية للحفيد وسعيد على الجماهير ونيل ثقتها ، العامل الاساس في تنظيم الجماهير واندلاع الثورة على الاحتلال البريطاني وسلطة اتاتورك.
الا ان فكرة تأسيس تنظيم سياسي اسلامي وظهوره كأيديولوجية جديدة ومن ثم بلورته على شكل تنظيمات واحزاب سياسية بدأت مع تأسيس حركة الاخوان المسلمين في مصر في خمسينيات القرن الماضي بقيادة حسن البنا وعدد من رجال الدين والمفكرين الاسلاميين ، لذلك يمكن القول ان جذور الاسلام السياسي في كوردستان العراق كان امتدادا لظهور حركة الاخوان في الخمسينيات ومن ثم تشكلت احزاب وتنظيمات سياسية اسلامية كوردية مع قيام الثورة الاسلامية في ايران وبالتحديد مع بدأ الحرب العراقية الايرانية في بداية ثمانينيات القرن الماضي ولجوء عدد من رجال الدين الكورد الى ايران وتشكيل مجاميع مسلحة من اللاجئين الكورد الساكنين في المخيمات التي اعدتها لهم الحكومة الايرانية في المناطق الحدودية كمخيم سرياس
في قضاء باوة ومخيم اخر في مريوان فضلا على مخيمين في كرماشان وكامياران.
بعد انتفاضة ربيع 1990 وتحديد منطقة أمنة للشعب الكوردي في العراق من قبل مجلس الامن الدولي ، مارست الاحزاب الاسلامية نشاطاتها الى جانب الاحزاب الاخرى في جميع المدن والقصبات وبدعم من اطراف اقليمية معروفة ليكون لها دور في مستقبل الاقليم السياسي وفعلا تمكنت من تحقيق نتائج في بعض المدن والقصبات النائية مستغلة بذلك بساطة القرويين والتزامهم بتعاليم الدين الاسلامي الحنيف.
ويمكن تحديد مسار الاسلام السياسي بأتجاهين ، الاول من تسلم السلطة في ايران والعراق وتركيا ومصر وايران وافغانستان ودول اخرى والثاني يسعى للوصول الى السلطة بشتى الوسائل ، ويستخدم العنف والقتل والجريمة سبيلا لنيل اهدافه.
الاتجاه الاول فشل في ادارة وبناء الدولة ولم يعط انموذجاً جيداً يحتذى به في الدول الاسلامية الاخرى ، على سبيل المثال ايران وبفعل سياسة الهيمنة والوقوف الى جانب الحركات المتطرفة وتدخلها في شؤون دول المنطقة وتهديد المصالح الدولية في منطقة الخليج تعرضت في بداية ثورتها وماتزال الى العزلة الدولية وفرض حصار اقتصادي عليها ، حيث تسبب بخلق ازمة اقتصادية خانقة في البلاد يدفع المواطن الايراني ضريبتها والذي يعاني اصلا من الجوع والعوز والحرمان الى جانب كبت الحريات السياسية وحرية التعبير عن الرأي.
في مصر لم تدم سلطة الاخوان التي مثلت الاسلام السياسي في هذا البلد المهم والاستراتيجي في الشرق الاوسط طويلا وفشلت في ادارة الدولة ، بسبب المعارضة الشعبية لها التي تمثلت بالقوى الديمقراطية والليبرالية والمدنية ، لان سلطة الاخوان لم يكن بمقدورها تحقيق انتصار اجتماعي الى جانب ماسمي بالانتصار السياسي وان صح التعبير تحقيق انتصار مؤسساتي شامل ولم يكن باستطاعتها ترجمة شعارات الثورة ترجمة حقيقية ومسؤولة فضلا على المعارضة الاقليمية والدولية لها ، ولذلك فشل الاخوان فشلا ذريعا في كسب ود غالبية الشعب المصري التواق للحرية والحياة المدنية ولذلك خسرت السلطة لصالح القوى الوطنية الاخرى.
في تركيا حقق حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يمثل الاسلام السياسي في السنوات الاولى من سلطته مكاسب مهمة للشعب التركي وخاصة في مجال التنمية الاقتصادية وزيادة دخل المواطن التركي ، الا انها فشلت داخليا في استيعاب القوى السياسية الاخرى بالرغم من ادعائها الديمقراطية وكسب الدعم الشعبي من خلال صناديق الاقتراع فضلا على الاستمرار في قمع القوميات غير التركية مثل الكورد والعلويين والشركس وغيرهم وعلى الرغم من تحقيق حزب الشعوب الديمقراطية نصرا كبيرا في الانتخابات الاخيرة في المحافظات والمناطق الكوردية وحصوله على مايقرب من 80 مقعدا الا ان حزب العدالة والتنمية لم يروق له هذا الانتصار وبدأت بالتشبث بذرائع واهية للحيلولة من دون تمدد هذا الحزب الذي يحظى بتأييد ودعم كبيرين بين صفوف الشعب الكوردي في تركيا وايضا تنصل انقرة عن بنود اتفاقية السلام مع حزب العمال الكوردستاني واستئناف القتال كل هذا اعاد تركيا الى سابق عهدها وتعرض الاقتصاد التركي الى زلزال قوي بسبب سياسات حزب العدالة
والتنمية الفاشلة والتي ادت الى ضعف اقتصادها وايضا فقدان الليرة التركية قيمتها امام الدولار الامريكي والعملات الاجنبية الاخرى ما ادى الى زيادة نسبة البطالة وصعوبة الحالة المعيشية لغالبية الشعب التركي ، على الصعيد الخارجي لم تتمكن السياسة الخارجية التركية من ان تحافظ على قوتها ومكانتها على الصعيدين الاقليمي والدولي ، اذ كان هذا الضعف واضحا على مستوى الازمة السورية والخلافات مع روسية جراء اسقاط طائرتها وايضا العلاقات المتوترة بين انقرة والاتحاد الاوربي وما رافقتها من مشاكل وتعقيدات بسبب الهجرة الجماعية من الاراضي التركية الى تلك الدول وايضا الفتور الواضح في العلاقات التركية والامريكية والتي كانت بين شد وجذب لااقل خلال الدورة الثانية من رئاسة اوباما اذن يمكن القول بان الاسلام السياسي في تركيا ايضا يسير نحو منحدر خطير يقوده نحو السقوط ويعتقد بعض المراقبين والمحللين السياسيين ان نجم حزب العدالة والتنمية في تركيا يتجه نحو الافول.
في العراق اعطى الاسلام السياسي أسوء تجربة في ادارة السلطة ونتيجة السياسات الخاطئة للاحزاب والتيارات الاسلامية التي كانت وماتزال على راس هرم السلطة ، فضلا على الفساد الاقتصادي والاداري والمحسوبية والمنسوبية التي تنخر جميع مفاصل الدولة بالاضافة الى تعرض البلاد الى عمليات القتل والدمار التي تسببت بها الجماعات المسلحة الارهابية وتهميش القوميات غير العربية واقصاء الاقليات الدينية والمذهبية من المشاركة الحقيقية في العملية السياسية و صنع القرار وايضا الخلافات السياسية مع الاحزاب والقوى الوطنية و الديمقراطية والحركة المدنية الجماهيرية اصيب العراق بازمات سياسية واقتصادية وامنية خانقة ، ما جعله من المستحيل ان تستمر تلك القوى على راس هرم السلطة وسينخفض الدعم الجماهيري
لتلك الاحزاب تدريجيا بفعل البطالة وانتشار الفقر والجوع بين غالبية شرائح المجتمع وفقدان المواطن لابسط الخدمات الاساسية مثل الكهرباء والماء الصالح للشرب والصحة والتربية ناهيك عن الهاجس الامني الذي اصبح ملازما للحياة اليومية للعراقيين ، لكل هذه الاسباب واسباب اخرى لايمكن ذكرها في هذا المقال ،تسعى القوى الاسلامية العراقية الى تأجيل الانتخابات لاعادة ترتيب اوراقها عسى ان تتمكن من ان تبقي على رصيدها الجماهيري ، عليه سيفقد الاسلام السياسي في العراق الدعم الجماهيري في الانتخابات المقبلة لانها اعطت تجربة مرة وفاشلة في ادارة وبناء الدولة العراقية الجديدة.
في افغانستان حدث ولاحرج ، مايزال هذا البلد المنهك في دوامة حرب وعنف والشعب يعاني من ويلات ومأساة الحرب ويعيش غالبيته تحت خط الفقر في ظل انتشار البطالة ، والشعب الافغاني منقسم بين الاحزاب الاسلامية التي تعمل لاجندات خارجية واجهزة مخابرات متعددة وهي في صراع دائم على السلطة والنفوذ والطبقة الفقيرة والمسحوقة هي التي تدفع ضريبة الصراعات والاقتتال وليس هناك بصيص من الامل لعودة اوضاع هذا البلد المدمر الى طبيعته ، الا بعد وصول الشعب الافغاني الى قناعة ان الاسلام السياسي لايمكن ان يبني البلد ويعم الامن والاستقرارفيه.
بالنظر الى تلك التجارب المرة والنماذج الفاشلة للاحزاب الاسلامية في الدول التي اشرنا اليها والتي ماتزال شعوبها تعاني من كوارث الحرب وويلاتها ومآسيها وفقدان الانسان لابسط حقوقه في ظلها وماعاناه الشعب الكوردي جراء احتلال تنظيم داعش الارهابي مناطق شاسعة من العراق واحتلال قسم كبير من المناطق الكوردستانية
خارج الاقليم وارتكاب ابشع الجرائم فيها واستشهاد واصابة الالاف من ابطال قوات البيشمركة في الدفاع عن ارضهم وشعبهم وكرامة الانسانية ، كل هذا اثر سلبا على انخفاض الدعم والتأييد الجماهيري لفكرة الاسلام السياسي بمختلف مسمياته الحزبية وبروز حالة من التنافر بين تلك الاحزاب والشعب الكوردستاني واذا اضفنا هذا التذمر والاستياء الجماهيري الى الارتباط الوثيق للاحزاب الاسلامية الكوردية بالاجندات الاقليمية التي تعمل بالضد من المشروع القومي الكوردي في بناء دولته المستقلة ، يمكن الجزم ان التيار الاسلامي في اقليم كوردستان سوف يفقد بريقه رويداً رويدا ويفقد معه قاعدته الجماهيرية ، لذلك شعرت تلك الاحزاب بهذا الخطر الجدي مما اضطرها الى وضع خلافاتها جانبا والسعي اخيرا من اجل تشكيل جبهة من الاحزاب الثلاثة في مسعى يائس للحيلولة من دون سقوطهم معا الى الهاوية.

أحدث المقالات