26 نوفمبر، 2024 2:45 ص
Search
Close this search box.

انقاذ الحراك الجماهيري من الانحسار

انقاذ الحراك الجماهيري من الانحسار

المنطقة الخضراء والمشاركة في التظاهر بحالة من التذبذب صعوداً ونزولاً، واصبحت كثافة الحضور مرتبطة ارتباطاً شديداً بالتيار الصدري، فحينما يدعو الى التظاهر والاسهام في الاحتجاج تكون الفعاليات ملموسة وتعد بالمئات واحياناً بالالاف، فيما عدا ذلك تكون اعداد المحتجين بالعشرات. اضافة الى الخيبة من استمرارها ما يشخص، ايضاً، ان بعض الجماعات لم يعد لها حضور يذكر، والمدنيون الذين انقسموا على انفسهم وانكفأ بعضهم وتلاشى حضوره للاسف الشديد.
الواقع هذه الاحتجاجات لم تعد تجذب الكثير من المواطنين غير المسيسين والمرتبطين تنظيماً الا بعض الانفار، بل اننا نسمع في حال توجهنا الى ساحة التحرير ملل المواطنين وتبرمهم من استمرارها لتعطل مصالحهم في تراجع للشعور بالمسؤولية ازاء ما يجري في البلد، ولسان حالهم ينتهي الى القول ان هذه الاحتجاجات لا نفع منها ولن تحقق شيئاً لان الطبقة الحاكمة صارت لا تخشاها واستطاعت استيعابها وتتعايش معها، حتى اننا لم نعد نسمع المبررات السابقة بتكريس الجهود للمعركة ضد الارهاب والكف عن اشغال القوات الامنية في محاولة للحد من التظاهر.
عاد الناس الى الاهتمام بمصالحهم الذاتية ومعيشتهم واعمالهم واعتبار ما يجري مضيعة للوقت والجهد، حتى القوى الاكبر والاكثر تأثيراً المشاركة في الاحتجاجات والاعتصامات، وهو التيار الصدري يشار اليه بانه وراء هذا الضعف لعدم ثبات موقفه ونهجه، ويحملونه مسؤولية هذا الانحسار البائن، وربما يذهب البعض الى ان المواقف مدروسة ولوضع القوى الاخرى تحت سيطرته او على الاقل انها تحرج هذه القوى امام انصارها اولاً وجماهير الحراك ثانياً وتعري ضعفها ثالثا .
يمكن تلمس العجز عن حشد الناس  بنفس المستوى والهمة عن الايام الاولى من خلال تصريحات الكثير من المدافعين عنها ، واكثر من هذا غياب بعض الوجوه والمجموعات من ساحة التظاهر واقتصارها على مجموعة مؤدلجة تفتقد التأثير شيئاً فشيئاً.
وايضاً، النخب السياسية افراد ومجموعات التي كانت تستشهد بهذا الحراك الجماهيري وديمومته وسعته صار لا يذكر في محاججاتها في الندوات والحوارات بوسائل الاعلام او في المحافل الجماهيرية.
ان هذا النوع من الاحتجاج اصبح غير كاف، ولا بد من البحث عن وسائل اخرى لتطويره ما دامت القوى الساعية والمنشغلة فيه ليست قادرة على الانتقال به الى حالة ارقى من وسائل الاحتجاج او ادامة زخمه بكثافة يحسب حسابها، الى جانب ذلك، تمس الحاجة، الى فعاليات متنوعة من ندوات وجلسات ثقافية ومعارض فنية وتجمعات مهما كانت اشكالها لاثارة الاهتمام وتثقف بالاهداف التي لم ينجز منها هدفاً اساسياً ولا تشكل ثقلاَ في الحضور الى هذه الفعاليات او ترهق المعنى بوقت محدد من كل اسبوع يضحي به.
طبعاً كانت هناك فعاليات بشأن قضايا محدودة مثل الفساد في وزارة التربية برغم محدودية المشاركة فيها الا ان صداها واثارتها لاهتمام الناس بها كان ذا جدوى واوسع صدى من الاحتجاجات التي تجري اسبوعياً، وذلك لارتباطها بقضايا ذات مساس آني ومباشر باحوال المواطنين ومعاناتهم من الاداء السيئ والفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة.
هذا الارتقاء لا تتوفر مقوماته الذاتية، اذا ما قبلنا بالعامل الموضوعي الذي لا تقف منه القوى موقفاً موحداً، فالتيار الليبرالي والمدني حجمه لا يمكنه من ذلك، وحتى استعداد اعضائه لمثل هذه المواجهة مشكوك فيه، اما التيار الصدري والذي يعول عليه البعض بتحالفه معه او تنسيقه كما يدعي، هو يمتلك الامكانات لذلك، الا ان الركون اليه امرً في غاية الصعوبة، فهو له اولوياته واجندته وحتى ان اتخذ مثل هذا القرار بالتصعيد فتراجعه وارد في أية لحظة وبقرار من زعيمه، بل انه مؤكد، لانه لا يقوى على الضغوط التي تمارس عليه من المكون الذي ينتمي اليه، ولا يترك لشأنه، وبالتالي الارجحية في مواقفه ليست حازمة.
ولا ننسى مع كل هذه التعقيدات وغيرها، دور الحكومة والاحزاب المتنفذة في ادارة الصراع والتأثير فيه وصرف الانتباه عن الاصلاح الشامل وخداع المواطنين باصلاحات شكلية لا تمس جوهر وركائز بناء النظام الخاطئة والمعوجة، دائما تحرص عندما تحاصرها الجماهير تحقنهم بجرعات مورفين لتهدئة نشاطهم وتفرقهم عن بعضهم.
مرة اخرى نقول ان الحراك الجماهيري بحاجة الى ممارسات وفعاليات نضالية واساليب جديدة الى جانب ما هو معمول به الان.
اعتقد من المفيد توسيع دائرة التفكير بماذا يمكن فعله للخروج من هذه المراوحة القاتلة وجذب واستعادة الجمهور العريض الذي غادر الساحة وزج دماء اخرى تسير نشاطاته.

أحدث المقالات