في اوائل التسعينيات كنا في احد مخيمات اللاجئين العراقيين في دول الشتات وكنا بعد ان تشررذمنا مللا ونحلا, نجتمع الى بعضنا البعض في فساطيط كبيرة اسميناها منتديات, واحد هذه المنتديات كان منتدى الشعراء، فكان يحوي شعراء حقيقيون وانتهازيون ومتمشعرون وسماسرة شعر يبعون قصائد القريض والمديح لمن يدفع اكثر. كان يحضر بعضهم وفي جيبه قائمة تحوي مائة مفردة او اكثر، يقول المتمشعرون ان القصيدة الحديثة يجب ان تحتويها, فلا ترتقي اية قصيدة لمستوى قصائد الشعرالرمزي الحديث مالم تحتوي على عدد من هذه المفردات كـ ” دلفت, ادلهم, كينونة ، تجشم، قرمزي، رومانطيقي،طوباوي، سريالي، انهماك …الخ.
كاظم الفراش كان فراشا كما يوحي لقبه في مدرسة ابتدائية وكان بحكم عمله يجتمع الى المعلمين كل يوم، بعد سنوات شعر كاظم انه اقرب الى المعلمين منه الى اقرانه من العامة فاراد ان يؤكد لهم ذلك في كل مناسبة ويذكرهم انه ارتقى لمستوى اعلى ولكن لم تتح له الظروف الفرص بشكل متواتر يرضي طموح كاظم الفراش في تأكيد علو كعبه وافضليته على اقرانه من الاميين او الممحوة اميتهم حديثا، فبدا كاظم الفراش يستغل انصاف الفرص كي يؤكد انتمائه لطبقة المثقفين.
وذات يوم نشب جدال حول قيمة اجرة النقل من مدينة النجف الى احدى نواحيها حيث كانت الاجرة 200 فلس لكنها رقيت الى 250 فلس او ربع دينار مؤخرا، لم يكن جميع ركاب المرسيدس ذات الـ 18راكب يعلمون بترقية سعر الاجرة فبدأ جدال حول قيمة اجرة النقل وحدث لغط كبير، حينها انبرى كاظم الفراش الذي كان يحتل مقعدا في وسط الحافلة قائلا ” ياجماعة تره واقعية الكروة ربع” حشر كاظم مفردة “واقعية” في غير محلها آملا ان يترك انطباعا لدى الركاب حول كونه مثقف
– عندما تحشر كلمة واقع او واقعية في اية جملة فهذا يعني انك متفلسف وتاليا مثقف.
في صباح باكر من احد ايام أواخر شهر اذار عام 1991 ونحن في رحلة اللجوء الى قوات التحالف قرب قضاء السلمان في محافظة المثنى، مررنا بحقول زراعية تزرع الفجل والرشاد والخضر قرب ناحية الشنافية, خرج الينا فلاحا يحمل ابريقا ازرقا ذو شاربين كثين اسودين يدل عمره على انهما مصبوغان فنهرنا قائلا ” أكيد انتم من هاي المناطق يعني ماجايين من كلكتا او اسطنبول يعني تعرفون انه لازم تمشون على المروز مو اتدوسون عالزرع” قلت لاقراني ونحن نبتعد عن الحقل “لابد انه فلاح بعثي اراد ان يخبرنا انه مثقف من خلال حشر كلمتي كلكتا واسطنبول تعملهما من مسؤوله الحزبي في جملة لاتحتاج اليهما لايصال المعنى.
واضب فلاحان على متابعة الاخبار عبر الاقسام العربية في اذاعات صوت امريكا ولندن ومونتي كارلو ايام الحرب العراقية الايرانية، وكانت تتكرر عبارة ” الوضع الراهن” في اغلب نشرات الاخبار، وذات يوم دلفا الى مقهى لكنهما سرعان ما تأكدا انهما لايملكان ثمن الشاي ولا حتى ثمن بضع لفائف من التبغ تمنيا تدخينها مع ارتشاف الشاي فالتفت احدهما الى صاحبه وقال ” ياولد تره وضعنه راهن” فأيده زميله ضانين ان كلمة راهن تعني سيء لانها عادة ماتصاحب الاخبار السيئة في نشرات الاخبار.
بعد عام 2003 والذي اطلق انا عليه عام التحرير ويطلق عليه آخرون عام الاحتلال، تكررت مفردات معينة في الوسط السياسي وصار على المتلقي للسياسة تكرارها في كل مناسبة للتاكيد على
علو كعبه في فن السياسة منها ” تصدى، وبالتالي، اللحمة الوطنية، التهميش، المصالحة الوطنية …الخ، “تصدى” ابتدعها الصدريون، اما “اللحمة” فلقد استساغ تكرارها عمار الحكيم للتعبير عن التلاحم الاجتماعي، اما “المصالحة الوطنية” فهي من اكثر العبارات التي يتداولها اياد علاوي وانصاره، وقد يكون استعمال مفردة “التهميش” عائدا الى نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي ويقصد بها تهميش طائفته السنيه.
لكن مايجتمع عليه تقريبا كل سياسيي العراق الجدد هو كلمة ” وبالتالي” حيث لايخلو لقاء مع اي سياسي عراقي دون تمشدقه بكلمة ” وبالتالي” وغالبا مايحشرونها في غير محلها.