بعد تأسيسها بمدة قليلة لم تستقر جامعة الأنبار في موقع واحد رغم قلة كلياتها ومنتسبيها آنذاك .. فتوزعت بين موقعها الرئيس في منطقة التأميم وموقعها الثاني في الصوفية ( التربية للبنات ) تلتها كليات الزراعة وموقعها القريب من التربية للبنات، لكنهما بعيدتان جدا عن الموقع الرئيس بمسافة تزيد على أكثر من خمسة كيلومترات.. إستمر تعدد المواقع فإستقرت كليات المجموعة الطبية في منطقة الثيلة قرب مستشفى الرمادي.. وبطبيعة الحال تتعدد المواقع مع توسع وزيادة الكليات والمراكز العلمية الجديدة وحسب المتطلبات العلمية والتربوية والحاجة لاستحداثها، في السنوات الأخيرة وصل عدد كليات جامعة الأنبار إلى ( 23 ) كلية تنوعت معها مواقع الكليات وغطت مساحة هائلة من أصل المساحة الشاسعة لمحافظة الأنبار فتوزعت كليات الجامعة في مدن القائم وحديثة وهيت والرمادي والفلوجة وفي سنة ما إنتقلت رئاسة الجامعة إلى مركز مدينة الرمادي قريبا جدا من ناظمي الجزيرة والورار! بعد أن دخلت قوات العدو الداعشي المحتل إلى حرم الجامعة ورفعت سلاحها الأسود بوجوهنا تغير كل شيء وإستدارت بوصلة المواقع وإتجاه الإستقرار نحو المجهول وأصبحنا لانمتلك إلا موقعاً واحداً مناسباً وهو موقع المجموعة الطبية في الرمادي لأن موقع الفلوجة كان أصلاً بيد المحتلين الدواعش وبقية المواقع (هيت ، حديثة ، القائم ) لم تكن مناسبة؛ إما لبعدها عن المركز أو لإنها محاصرة أو لسقوطها بيد المحتلين الدواعش.. في الأساس لم يكن موقع المجموعة الطبية مناسبا للدوام ولا يمكنه تحمل آلاف الطلبة والتدريسيين والموظفين وتفاقمت الصعوبة أكثر بالتزامن مع زحف قوافل النازحين من الرمادي إلى محافظات العراق الآمنة.. تطلب الأمر موقفاً حاسماً لإيجاد التوازن بين موقع الرمادي والمخاطر التي تهدده على مدار الساعة لأن الدواعش لا يبعدون سوى أمتار عن المجمع الطبي، وبين ضرورة البحث عن موقع لإستيعاب أو التهيؤ لإستيعاب نتائج المعارك المحتملة وغير المحتملة خلال أسابيع.. هل كانت الجامعة بمعزل عن سلبيات رافقت مسيرتها الإنتقالية؟ طبعا لا ففي مثل هذه الظروف نضع حاجتنا القصوى وأهدافنا الأساسية كي لا تضيع أولاً ثم فلنتحدث لاحقاً عن السلبيات..
وجدت الجامعة موقعاً بديلاً وهو كلية الزراعة / جامعة بغداد والواقعة في (أبو غريب) هذا الموقع تأسس في عام ١٩٥٢ وحين إستلمته جامعة الأنبار من كلية الزراعة كان يشبه المعسكرات القديمة لأن لا شيء يصلح للدراسة أو السكن فيه! الجامعيون الأنباريون حولوا هذا المعسكر إلى جامعة بديلة فتوزعت كلياتنا بين الأبنية الرطبة والحدائق المتروكة والنوافير المكسرة! شوارع يملأها ورق يابس ونفايات تحيط بكل شيء ومجمع سكني قريب حاول أن يمنع دخولنا الكلية بشتى الطرق.. أسابيع وإستبدلت خريطة كلية الزراعة في جامعة بغداد إلى جامعة الأنبار وتوزع الطلبة والمنتسبون بين كلياتهم وسكن من كان بعيدا من الطلبة والتدريسيين في أقسام داخلية.. التدريسي أسوة بالطالب ينام في قسم داخلي والبعض الآخر تحمل السفر والتهديد والخوف من أماكن بيد المحتل كي يصل لهذا الموقع وآخرون صرفوا نصف رواتبهم كل شهر ذهاباً وإياباً من مناطق نزوحهم إلى الموقع.. حتى سقطت الرمادي بيد المحتلين الدواعش وتصاعدت حدة المطالبات بإيجاد موقع بديل في المنطقة الشمالية لوجود أعداد كبيرة من الطلبة وأهاليهم والتدريسيين وعوائلهم في أربيل والسليمانية ودهوك وكركوك بعد نزوحهم إليها.. أفاقت الجامعة على مطالب حتمية أخرى تصدت لها قوى سياسية متحكمة وضعت عراقيل منعت إفتتاح موقع في أربيل أو السليمانية فلجأت الجامعة إلى الحل العاجل وبوقت قياسي وفتحت موقعا لإمتحانات الطلبة الساكنين في إقليم كردستان في محافظة كركوك وتمكنت من تجاوز مشكلة صعبة جداً وإمكانية ضياع سنة دراسية كاملة على طلبتنا النازحين هناك رغم كثرة التأويلات والمطالبات المزاجية غير المعقولة للبعض.. أيام وأسابيع وشهور تمضي حتى حقق الله نصره وتحررت الجامعة من القوات الغازية؛ وتكشف أول حجاب عما أحدثته المعارك داخل الجامعة في موقعها الرئيس..
أبنية مدمرة وكليات مفخخة وخراب وسرقات وخوف في كل شبر من أرضها الطاهرة، منذ اليوم الأول لتحرير الجامعة بدأ مجاهدوها بالعمل رغم الإمكانات التي تكاد أن تكون معدومة والمضايقات من هذه الجهة أو تلك، إستمر منتسبو جامعتنا الأشاوس بالعمل المتعب والمضني غير ملتفتين إلى ما يطلق هنا وهناك من رغبات بعض الصعاليك واللصوص والفاسدين والمتخلفين.. فهؤلاء هدفهم واحد بعد أن فشلوا في إعاقة وعرقلة مسيرة الجامعة بدأوا بإطلاق أساليب جديدة في محاولة لكسب أمثالهم .. ثلاثة مواقع لجامعة الأنبار بعد تحريرها؛ بغداد وكركوك والرمادي.. الغالبية في بغداد وموقع كركوك أغلق بعد إنتهاء إمتحانات العام الدراسي ( 2015 – 2016 ) وهاهو موقع الرمادي والمواقع الملحقة به في مركز مدينة الرمادي يعود شامخا ترفرف فوقه شمس النصر.. موقع بغداد بقي كما هو لإكمال هذا العام لمن لم يحن موعد عودته بعد ومازال نازحاً فهناك أراضٍ ومناطق لم تحرر بعد وبعض التي حُررت غير صالحة للسكن وتحتاج إلى وقت مناسب لإعمارها .. منتسبو جامعة الأنبار المخلصين ضحوا بالكثير وقدموا ما لم يتمكن من تقديمه أقرانهم في كل جامعات العالم ومنهم من ترك أهله وضحى بعمره فداء لمسيرة جامعة الأنبار.. من ثلاثة مواقع إلى موقعين، ستصبح بإذن الله عن قريب موقعاً واحداً في الرمادي بعد أن تتحرر مدننا بالكامل من العدو الداعشي المحتل ويعود النازحون إلى مدنهم وبيوتهم .. ذهب الكثير ولم يبق إلا القليل أيها الزملاء الأعزة في جامعة الأنبار ..