26 نوفمبر، 2024 4:36 م
Search
Close this search box.

ماذا لدينا . . ؟

ذكرت في مقالتي السابقة ان للحديث بقية ، وذكرت (( نحن فقط من يجب أن نسمع طبولنا حيث لن يأتينا الخلاص الا من هنا ، من أنفسنا )) . ولعلنا نستغرب ونسأل : ماذا نستطيع أن نفعل ونحن كالمغلوب على أمره ، ومالذي يتوفر لدينا من مستلزمات ومتطلبات هذا الخلاص المطلوب ؟ .
فنحن نسبح بين الدخان الكثيف وموجات الغيوم المتتابعة والعتمة التي تمنعنا من الرؤية ، نتخبط ببعضنا ، ضائعون في مواسم لانهاية لها من تفاسير التيه لانمتلك الرؤية الصائبة المناسبة ، تائهون بين ارثنا الفكري وبين الحداثة والعولمة وصراع التيارات والأفكار والرؤى ، نضيع بين سطور المتفلسفين والمنظرين والمجتهدين .
قضينا قرونا من الزمن ولازلنا نتدحرج بين خطى الملوك ورغبات وشهوات وتطلعات وانحرافات السلاطين .
كل مشاريعنا وخطواتنا وأهدافنا وحملاتنا الثورية والأصلاحية والوطنية ظهر فشلها واضحا وجليا وأثبتت عدم قدرتها على نفعنا وصيانتنا وعدم قدرتها على المواكبة والديمومة والتطور ، وكل نضالاتنا تم كبحها وقمعها سلطويا أو اجتماعيا أو نفسيا .
نحن الذين تحول ديننا الى مجرد وسيلة للتكسب والجاه والسلطان والصدارة والوجاهة . وتم (( تفصيلنا عدة مرات وبأشكال مختلفة حسب مزاج الحاكم ومقاس السلطان )) .
ولم نجد أنفسنا . . حتى تم اغراقنا . .
وأمسى راشد الفلاح يقضي عمره في فلوات الحروب العديمة الجدوى وينغمر بلاهوية بين طيات وتيارات المنظرين والمجتهدين والمفلسفين – يصطدم بأصطدام أفعالهم ومصالحهم – ويرتد بأرتدادها ، مغلوب على أمره ، منزوع الأرادة معدوم ، لايمتلك الفعل وانما تصرفاته كلها ردة فعل ، فيتم استهلاكه في هذه الدوامة ومسخه
وتحويله الى مجرد أداة أو مجرد قطعة عديمة القيمة في كومة حطام أو نفايات يتم تناقلها بين الأيادي وعربات الجر ورميها من مكان الى آخر ومن حال الى حال .
وقد قادتنا الأحداث حسب هواها وتم جر أعناقنا بالحبال لوضعنا في حالة التشرذم بعد أن تم توفير المستلزمات المطلوبة لذلك وتهيئة الرجال والأدوات والظروف والقادة والزعماء الذين يتصدرون الواجهة لأدامة هذا التشرذم وتوفير المزيد من الظروف التي تؤدي الى المزيد من الأنحطاط والتردي فينا وبما يخدم أجنداتهم الموظفين لأجلها تحت مختلف العباءات والأغطية .
من هذا الركام والكم الهائل من المتناقضات وحالات الأخفاق والتردي التي يطول الحديث عنها ينبغي – يجب – أن نجد خلاصنا ونخلق لأنفسنا بوادر ومستلزمات النهوض – الحي – الصحيح – الصادق .
فماذا لدينا . . ؟ . . مالذي نملكه لكي نتمكن من تحقيق ذلك . .؟ . .
الجواب :
لدينا كل شيء . . كل مامطلوب . . كل ماينبغي لذلك .
نحن أرباب الجداول والشواطيء والسواقي والواحات الخضر . . نحن الذين انشأنا من الماء والتراب مدنا عريقة عبر العصور . .
نحن أرباب الأمل والصبر والتحمل . . نحن قمح المطاحن الطيب المذاق المستمر الذي لاينضب . . نحن الأمل والتماسك و(( العض )) على الجروح المتفتقة .
نحن دافني الأحزان ذوي الصدور الممتلئة بالشجون . . أنبياء السلم والسلام . . شموع المحرقة . . مسك بخار الأمكنة . . عطور ونكهات الزمان .
نحن أبناء انسانيتنا . . مظلومي انسانيتنا وآدميتنا . .
نحن الذين تضطهدنا أنفسنا ، وتظلمنا ذواتنا ، لأجل أن نبقي ونحافظ على مايجب المحافظة عليه من طقوس ومراسيم وقيم وأعراف تم تلقيمها لنا وتدجيننا بداخلها وتوريثها بداخلنا ، بعلاتها وأخطائها ومساوئها ، بجمالها وحسناتها وصدقها
وعمقها .
نحن أبناء الخير الذين ننبت مع أعواد القمح والحنطة ، مع النخيل والبرتقال والياسمين ، لننتشر على الأرض العراقية . لدينا عمق انسانيتنا الباقية التي لم تتمكن كل عاتيات العصور وظلامها من هدمها وثلمها برغم كل الضغوط والمغريات
والمجريات وسوء المقادير والدفوف والطبول والمزامير التي دقت على رؤوسنا لعشرات السنين الماضية .
لدينا وجوه مملوحة ومعجونة بتراب الأرض وأيادي أجداد وآباء وجدات وأمهات شقت السبخ والملح والجفاف وزرعت وأنبتت وأينعت تحت أكفها مواسم العشب والقمح والخير .
لدينا أب كان يخشى على سمعته من العيب والنقيصة وأخ وأخت وزوجة وابن وابنة وقريب وصديق وجار وشريك تم تلقيمه بكل هذه الدروس – برغم علات وعمى هذا التلقيم – لأجل المحافظة على هذه الخشية ومواظبة التمسك بالسيرة الحسنة والأستقامة المحمودة والتفاني لأجلها برغم كل التحريف والسطحية والجهل .
لدينا (( ألفة )) نشأت ببساطة وطبيعية وتلقائية تنساب بيننا كشرائح وفئات اجتماعية مثل انسياب الماء في دجلة والفرات ، وشعب قل مثيله في الكرم والجود والحمية والمروءة ، أثبت بدون أدنى شك ان له القدرة العالية والمكانة المعروفة في حقول العلم والتعلم والأبداع والثقافة والفنون .
لدينا نهرين بطول العراق يشكلان شريانا لكل العراقيين . ولدينا أراضي خصبة منبسطة كراحة الكف لاينقصها غير بعض الهدوء والطمأنينة والكف العازمة الصادقة المجتهدة لتسرح عبر امتداداتها الغزلان والجياد والمواشي والبشر كلوحة خضراء مورقة لبلاد الرافدين ويتدفق خيرها الوفير الذي لاحدود له ، هذا الخير الكثير الوفير فوق هذه الأرض وتحتها الذي لم نمنح أنفسنا فرصة المراجعة والتبصر لكي نهنأ وننعم به .
وكخاتمة لحديث طويل جدا أقول :
لدينا شعب ذكي لماح بصبره الطويل وقدرته على تحمل المكابدة وقد مكنته المآسي والويلات من كشف المستور واظهار الحقائق بوجهها الصحيح بين صدقها وزيفها ، وهاهو الشعب العراقي بكل أطيافه وصنوفه ينطلق خطوة اثر خطوة ليثبت انه شعب حي لايموت ، فنراه اليوم يتفانى ويضحي ليسقط القلاع الظاهرة لممالك الظلام ويهدم السراديب الخفية التي كانوا يريدون جره اليها ويجاهد لتنظيف الأرض العراقية من خيوط أقذر لعبة نتعرض لها ، ويقبر أعتى مخطط كان مرسوما لتمزيق العراق تحت مسميات – داعش – الطائفية – وغيرها .
هؤلاء الأبناء الأبرار البواسل لهذا الشعب الذين ينتشرون على امتدات وأبعاد أرض الحرب العراقية ، الذين خرجوا للتو من تحت جلودنا ومن صلصال عظامنا ومن
عمق أرواحنا وجوف تفاصيلنا التي ذكرتها أعلاه ، هؤلاء هم أنفسهم سيكونون صوت النهضة العراقية وصداها لأجل الألتفات فيما بعد الى مراجعة ومعالجة مواطن الهزيمة ووجوهها ومحركاتها المتمثلة بالتخريب المتعمد للبلاد وتضييع مقدراتها . . مواطن الفساد . . أعشاش ورموز ومكونات وحواضن ومنظري مسلسل الخراب العراقي .
هذا مالدينا . . وهذا هو الخير الكثير المطلوب .
كريم عبدالله هاشم
[email protected]
ملاحظة / مقالاتي ذات الصلة بالموضوع لمن يرغب بالأطلاع:
1- الهروب الى أمام / الصدى نت على الرابط التالي : http://elsada.net/21303
2- من أجل استعادتنا / الحوار المتمدن على الرابط التالي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=536883
3- لاوجود لنا (1) / الحوار المتمدن على الرابط التالي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=520026

4- لاوجود لنا (2) / الحوار المتمدن على الرابط التالي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=520129

5- بين ملك هاشمي وسلطان نجدي : تبعثرنا / الحوار المتمدن على الرابط التالي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=518682

6- المطلب : اعادة نظر / الحوار المتمدن على الرابط التالي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=521337

أحدث المقالات