رافقت ” العملية السياسية ” تسميات متعددة للحل الذي يتوافق عليه المجتمع العراقي بكافة مكوناته ؛ هذا الحل عبارة عن شيفرة لم تستطع القوى السياسية فك رموزها منذ 2003 الى يومنا هذا على رغم من تشكيلها لوزارات وهيئات ومستشاريات وصرفها لملايين الدولارات من أجل تحقيق هذا الهدف ؛ كل تلك الجهود باءت بالفشل ولم تستطع ان تغير من المعادلة المرسومة في اذهان معارضي النظام الجديد الذين حملوا السلاح والذين لم يحملوه ؛ المبادرات السابقة كانت عبارة عن مؤتمرات اعلامية لتبويس اللحى والتقاط الصور والسيلفيات ؛ واغلب الشخصيات السياسية المتهمة بالفساد والطائفية اطلقت مبادرات ووثائق شرف باسمائهم لكنها لم تخرج خارج جدران القاعات التي عقدت فيها ؛ قبل اكثر من ثلاث سنوات عقدت مبادرة في بغداد اسمها ” وثيقة الشرف الوطني ” برعاية نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي اختصرت على سياسيي المنطقة الخضراء ووقع الحاضرون على تلك الوثيقة ؛ في ذلك الوقت استضافتني احدى القنوات الفضائية للحديث عن هذه الوثيقة فقلت نصا ان هذه الوثيقة هي وثيقة صرف وليس وثيقة شرف ! وبالفعل لم يكتب لها النجاح والله يعلم كم هي الاموال التي صرفت من اجل تلك الوثيقةالان يطرح السيد عمار الحكيم مبادرة جديدة لنفس الغرض ! إطلعت على نسخة مسربة منها ؛ الملفت في هذه المبادرة الجديدة هو عدم الاتفاق على تسمية واحدة لها حيث وضع الحكيم ثلاث تسميات ” التسوية الوطنية ” ؛ ” التسوية التاريخية ” ؛ ” المبادرة الوطنية للسلم وبناء الدولة ” !تحاول المبادرة الجديدة الإقتراب من فك الشيفرة لكنها تبتعد بقدر خطوة الإقتراب ؛ فهي تحاول لكنها ستفشل بالنهاية لإنها لا تملك الشجاعة الكافية لتشخيص الخللأغلب بنود المبادرة جميلة من الناحية النظرية لكنها لا تعالج قضايا جوهرية و خالية من الحلول الجذرية التي تصل الى عمق الأزمة التي طفحت بعد سقوط النظام السابق ؛ لايمكن ان نتحدث عن تسوية تاريخية مجتمعية ونضع في بنودها استثناء هنا وطرد هناكلقد احتوت المبادرة على هذه الفقرة (استثناء حزب البعث وداعش وكل كيان إرهابي وتكفيري وعنصري) هذا الاستثناء سوف يحفر قبرا لهذه المبادرة ؛ لان الحكومات المتعاقبة على حكم العراق الجديد لم تستطع معالجة ملف البعثيين وجعلته عرضة للابتزاز والمناورة والمساومة ؛ حيث جعلوا من بعثيين قادة في العملية السياسية وبعضهم اصبح وزيرا ونائبا وتقلدوا ارفع المناصب وجعلوا من اخرين في خانة الاجثتثاث والخيانة ! هذه المجموعات الموغلة بالدم أصبح صوتها مسموعا بسبب الفشل الذريع الذي منيت به العملية السياسية الجديدة واربابها وما رافقها من عملية فساد ممنهجة ؛
ولو ان القادة الجدد قد نجحوا في ادارة الدولة لما كنا قد سمعنا أصواتا تدافع عن البعثيين والجماعات المسلحة ؛ لكن الفشل والاعمال المشابهة لتصرفات البعثيين هي من جعلت تلك الاصوات تتداول وتجد لها اذانا صاغيةلايستطيع السيد الحكيم ولاغيره ان يرفع هذا الاستثناء الذي يمثل جوهر الخلاف العقيم الذي يعرقل اية تسوية في العراق ؛ هذا الاستثناء تدافع عنه فئة كبيرة من المجتمع وتكفر كل من يحاول رفعه ؛ وهناك فئة اخرى ترى ضرورة رفعه كبادرة حسن النوايا وكشرط اساس للدخول في العملية السياسية والايمان بالعراق الجديد وكلا الفئتين غير قادرتين على التنازل من أجل الأخرى ؛ إحدى الطوائف ترى باجتثاث البعثيين مكسبا سياسيا لايمكن ان تتنازل عنه وهي تجير اعلاما كبيرا من اجل تسقيط كل من يحاول التنازل عنهلايمكن لأي سياسي من سياسيي الطبقة السياسية الحالية ان يجازف بمستقبله السياسي ويطرح مبادرة جريئة تعالج لب القضية وكل المبادرات هي عبارة عن إختلافات طفيفة في صياغة الجمل وتلاعب بالألفاظ لأن المعنى الحقيقي ثابت لايمكن ان يتغيركما وضعت المبادرة هذه الفقرة ” الالتزام بالدستور كمرجعية والعمل به دونما انتقائية والاستعداد لإجراء التعديلات الدستورية على وفق الآليات التي نص عليها الدستور ذاته، والاتفاق على عقد سياسي (تحت سقف الدستور) “هذه الفقرة تدافع عن الدستور الحالي وتجعله مرجعية عليا للحكم على رغم التحفظات والخلافات الكبيرة التي ابدتها مكونات عراقية على هذا الدستورنستنتج من هذا ان التسوية التاريخية المزع عقدها لاتختلف عن سابقاتها وهي تدور في نفس الدائرة المفرغة .