23 نوفمبر، 2024 4:51 ص
Search
Close this search box.

رهاب المراجعات للدوائر الخدمية

رهاب المراجعات للدوائر الخدمية

تكاد تُجمع المقالات والتحقيقات الصحفية التي تتناول الرشوة في العراق على أن الموظف هو الذي يجبر المواطن على دفع الرشوة لغرض إنجاز معاملته رغم أُصوليتها وقانونيتها وكمالها الروتيني ورسمية متطلباتها وتركز أغلب التقاريرعلى المواطن كمشتكٍ ومتململ وحانق على الموظف ولم نسمع أو نقرأ يوما رأي أحد الموظفين الذين يتهمهم الناس بتأخير معاملاتهم وعدم إنجازها للضغط باتجاه الرشوة ، هنا يقع الاعلامي في خطأ كبير وهو أنه لم يحقق الانصاف والتوازن في تقريره من جانب مهني بحت أما ما ينعكس على الرأي العام كناتج لهذا فهو تشويه سمعة الدوائر الحكومية بصورة عامة وفقدان المواطن للثقة بالأداء الحكومي رغم إقرارنا بوجود هذا النوع من الموظفين والدوائر . أثناء مراجعتي لاحدى دوائر التسجيل العقاري في بغداد بمعاملة شخصية وليست مهمة رسمية أو صحفية إنبرى لي المعقب الذي (أحبّ أن يساعدني لله !! ) يشرح لي مقدار ما أدفع للموظف المسؤول عن تسليم المعاملة التي روجتُها وحذّرني من التعامل معه على أساس كرامة المواطن وهيبة الموظف لأنها لا تجدي نفعاً بل هي (وطنيات زايدة)! ولأنه في كل الاحوال سيؤخر المعاملة حتى تعجز وتدفع له ، إقترح هذا المعقب أن يقوم بهذه المهمة بنفسه ليقيني شرّ التاخير مقابل مبلغ من المال يدفعه الى الموظف لكي يستلم المعاملة اليوم وليس غدً أو بعده حسب إدعائه طبعا فرفضتُ وذهبت الى غرفة هذا الموظف بنفسي وبعد نصف ساعة فوجئتُ بأن المعاملة تنتظرني على طاولته ولم يرفع عينيه وأنا أكلمه فطلبتها منه وقال خذها وتأكد من مستمسكاتك ، رجعت الى صاحبنا الذي برّر ذلك بأن اليوم يختلف عن الأيام الأخرى لأن لجنة من النزاهة تفتش الآن ! فابتسمتُ هازئا وخرجت ولكنه أصر على أن أسلمه المعاملة لاكمالها من الدوائر الاخرى التي عليّ مراجعتها لأني موظف ومحدّد باجازة وزمن قصير وستطول المراجعة لأيام وطلب مبلغ 750 ألف دينار مقابل ذلك لأن الدائرة المعنية سيدفع هو لموظفيها ودائرة البلدية والضريبة ووو… كلها تطلب مبالغ للتواقيع والأختام فتصورتُ حينها أن لا وجود لدولة مؤسسات ونحن حالمون بها فقط ، لأجربْ بنفسي إذن وأقع على الحقيقة فقد أكون مخدوعا بالشعارات التي ترفعها الجهات الرقابية ، إنطلقت مع معاملتي الى الدائرة الأخرى في اليوم نفسه وبساعة واحدة أتممتُ الاجراءات وخرجت بها ولكن بسبب الزحام إنتهى زمن الدوام الرسمي فأجلتها الى اسبوع آخر وحسب استحقاق إجازتي ، فعلا ذهبت وأكملت مرحلتين من المعاملة وهكذا استمرت مراجعاتي وحسبتُ أيام مراجعاتي كلها فكانت أربعة أيام متباعدة . إزاء هذا الوضع والتصرفات والخداع والمعاني التي خرجت بها ظهرت لي بوضوح أسباب دفع الرشوة واستنتجتُ أن وراءه إحساساً بالخوف والرهبة من مراجعة الدوائر الحكومية والذي إستمر من أيام النظام السابق وبأنه متهم دوما وهو رهاب المراجعة فضلا عن وجود بعض النماذج من الموظفين الذين إعتادوا على العطايا والاكراميات وتواجد المعقبين والدلالين بالقرب من دوائر التسجيل العقاري وتجوالهم ما يخلق بؤرا تتعامل بالمساومات علانية وبيع وشراء ذمم الموظفين دون علمهم وادعاؤهم بأن الموظف الفلاني هو الذي يطلب المبلغ كرشوة وارتفاع أجور المحامين المختصين بتعقب المعاملات ما يجبر المواطن على اللجوء الى المعقب واستغلاله مجاملات وصداقات حرس الدوائر والاستعلامات وبعض المفسدين وأهم منها عدم توفر الزمن الكافي عند المواطن للمراجعة المتكررة لدوائر مثل التسجيل العقاري مايضطره الى دفع أي مبلغ لغرض إكمال المعاملة . أمام هذه الظواهر والحالات نقف عند مفصل إعادة ثقة المواطن بنفسه ودولته وحقه في الحصول على الخدمة العامة مجاناً لتحويل ظاهرة رهاب المراجعات والرقيب الى خُلُق وسلوك عام يعتمد الشجاعة والاقرار بأن الدولة في خدمته وليس العكس .

أحدث المقالات

أحدث المقالات