بعد واشنطن ، الكورد بحاجة الى حوار صريح مع موسكو

بعد واشنطن ، الكورد بحاجة الى حوار صريح مع موسكو

شهدت العلاقات الكوردية الروسية منذ انهيار جمهورية كوردستان في مهاباد في منتصف اربعينيات القرن الماضي فتورا نسبيا لوقوف الاتحاد السوفيتي السابق موقف المتفرج ازاء زحف قوات النظام الايراني على جمهورية كوردستان وتنصل موسكو عن وعودها بشأن دعم الكورد في بناء كيان مستقل ، حيث استغلت طهران الموقف الروسي وزحفت نحو مدينة مهاباد عاصمة الجمهورية وتمكنت من السيطرة عليها بعد ان اعدمت قادة جمهورية كوردستان وعلى رأسهم الخالد قاضي محمد.
وعند توقيع اتفاقية اذار بين قيادة الحركة الكوردية ونظام البعث برئاسة احمد حسن البكر في بداية سبعينيات القرن الماضي وتنصل النظام عن تنفيذ بنود الاتفاقية التي ادت الى استئناف القتال بين قوات البيشمركة وقوات النظام العراقي ، لم تمد الحكومة السوفيتية يد العون للشعب الكوردي الاعزل الذي كان يطالب بحقوقه القومية العادلة ، بل وقعت اتفاقية استراتيجية مع نظام البعث لتجهيز الجيش العراقي بالطائرات والاسلحة الثقيلة المتعددة الفتاكة لضرب الثورة الكوردية واستخدمت الاسلحة السوفيتية في ضرب القرى والقصبات والمدن الكوردية فضلا على استخدامها في جبهات القتال ضد قوات البيشمركة.
لم يقف الاتحاد السوفيتي السابق ومن بعده روسيا الى جانب القضية الكوردية سوى في موقف انساني واحد بعد سقوط جمهورية كوردستان وذلك باحتضان الخالد مصطفى البارزاني و500 من مقاتلي البيشمركة في اراضيه ومنحهم حق اللجوء
السياسي بعد انهيار جمهورية كوردستان ، بالرغم من ممارسة شتى الضغوطات عليهم لثنيهم على التخلي عن المطالبة بحقوق الشعب الكوردي التي لم تكن موازية للمصالح السوفيتية في ايران والعراق.
في بداية شهر كانون الاول الجاري قام وفد من اقليم كوردستان برئاسة السيد مسرور بارزاني مستشار مجلس امن اقليم كوردستان بزيارة الى واشنطن لتقديم الشكر لادارة الرئيس اوباما على وقوفها الى جانب الشعب الكوردي في دورتين رئاسيتين ودعم الشعب الكوردي في الوقوف بوجه التحديات المتعددة خاصة في الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي وكذلك اللقاء مع الادارة الجديدة الامريكية برئاسة دونالد ترامب لمعرفة الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الامريكية ازاء قضايا الشرق الاوسط خاصة موقفها من قضية الشعب الكوردي.
وصرح السيد بارزاني بعد اختتام الزيارة لوسائل الاعلام المحلية والعالمية ان الزيارة كانت ناجحة وحصل على تطمينات من مَن سيتصدون لمراكز القرار في الادارة الامريكية الجديدة على دعم الشعب الكوردي وتجربته الديمقراطية.
اليوم لم تعد امريكا هي القوة الوحيدة صاحبة القرار في الشرق الاوسط بعد دخول الروس على الخط ومنافسة واشنطن على مناطق النفوذ ، حيث اصبحت موسكو وحلفاؤها ايران وتركيا والعراق الطرف الاساس واللاعب الرئيس لادارة الازمة السورية التي تعد اليوم من القضايا المحورية في المنطقة ، حيث اثمر الدعم العسكري الايراني والروسي فضلا على التعاون التركي الى ارغام المعارضة السورية على الانسحاب من مدينة حلب التي كانت المعقل الرئيس لتلك القوى وسيطرة الجيش السوري عليه بالكامل.
اليوم المعارضة السورية بجميع مسمياتها اصبحت في زاوية ضيقة وترجحت كفة المعادلة لصالح النظام السوري بفعل التدخل الروسي الذي يسعى للعودة الى المياه الدافئة في المنطقة ، لذلك يمكن القول ان اي قرار بشأن الشرق الاوسط خاصة بشأن العراق وسوريا ، لن يتخذ بمعزل عن موسكو وعليه الجانب الكوردي الذي يعد الطرف الرئيس في حسم نزاعات المنطقة ومكافحة الارهاب ومن دون مشاركته لايمكن اتخاذ اي قرار نهائي ازاء مستقبل المنطقة وفرض الامن والاستقرار فيه ، وهذا بحد ذاته يتطلب حوارا وتنسيقا جديا بين الكورد وموسكو للتعاون في رسم خطط وسياسات جديدة لحسم قضايا المنطقة.
عليه ينبغي على الجانب الكوردي اجراء حوار صريح وشفاف مع القادة الروس كما اجرته في بداية الشهر الجاري مع الادارة الامريكية و اقامة علاقات متوازنة بين واشنطن وموسكو اللتان تتصارعان على مناطق النفوذ في المنطقة كما اقامت علاقات مماثلة منذ عقود مع تركيا وايران اللتان لهما تاريخ طويل في الصراع الطائفي والسياسي في المنطقة، فضلا على التشاور والتحاور مع موسكو ، كما حاورت الادارة الامريكية الجديدة لبلورة رؤية واضحة حيال السياسة الدولية في المنطقة ومستقبلها وبالاخص بشأن مساعي الكورد الرامية لاجراء الاستفتاء وتقرير مصيره بعد ما يقرب من مئة عام على تقسيمه عنوة كتحصيل حاصل لأتفاقية سايكس بيكو التي جرّت المنطقة الى الحروب والويلات والدمار.

أحدث المقالات

أحدث المقالات