23 نوفمبر، 2024 1:02 ص
Search
Close this search box.

التأسي بزين العابدين في اطعام المعزين بالأربعين

التأسي بزين العابدين في اطعام المعزين بالأربعين

اشتهر العرب منذ القدم بالكرم واطعام الضيف وتوفير سبل الراحة له، ونقرأ في كتب التاريخ ان هاشم بن عبد مناف الجد الثاني لرسول الله، عظم قدره بعد أبيه، وإليه يُنسب الهاشميون، وهو أول من سن الرحلتين لقريش: رحلتي الشتاء والصيف إلى متجرتي اليمن والشام وأول من أطعم الثريد ببكة، يقول ابن إسحاق أن اسمه كان عمرو وأن تسميته هاشم كانت لهشمه الخبز لعمل الثريد بمكة لقومه سنة المجاعة.
ولعل ما قالته سفّانة بنت حاتم الطائي للرسول الأعظم خير ما يمكن أن يلخص حياة ذلك الرجل العظيم من حيث كونه شاعراً وهو المثل الأعلى لمكارم الأخلاق وكرم الضيافة قبل الإسلام، عندما قالت: يا محمد.. إن رأيت أن تخلّي عني فلا تشمّت بي أحياء العرب.. فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يفكُّ العاني ويحمي الذمار ويقري الضيف ويشبع الجائع ويفرّج المكروب ويفشي السلام ويطعم الطعام ولم يرد طالب حاجة قط.. أنا ابنة حاتم الطائي، فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): هذه صفة المؤمن حقاً.. لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه.. خلوّا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق.. والله يحب مكارم الأخلاق. (أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين    المجلد : 1  صفحة : 409).
واطعام الطعام في عاشوراء وأربعينية الامام الحسين عليه السلام لم يكن جزافا، بل إن له اصول تاريخية ودينية ولعل أول من أطعم الطعام لزوار أبي عبد الله والمعزين بمصيبته هو الإمام السجاد عليه السلام، (روى البرقي انه لما قتل الحسين بن علي (ع) لبس نساء بني هاشم السواد وكنّ لا يشتكينّ من حرّ ولا برد وكان علي بن الحسين (ع) يعمل لهنّ الطعام للمأتم).(المحاسن ص420 ) لاحظ في الحديث الشريف كيف انبرى الإمام السجاد وهو حجة الله على أرضه بهذه الخدمة الجليلة وهي اعداد الطعام لمقيمي مأتم أبيه الحسين عليه السلام، كم هو عظيم اذن صاحب الذكرى ليؤكد الأئمة الأطهار جميعا على زيارته والبكاء عليه واكرام زائريه وتوفير سبل الراحة لهم؟! وهكذا فليفتخر كل من يقوم بهذه الخدمة الكريمة، علاوة على أنها من موجبات الرحمة الإلهية في اطعام الفقراء والمعوزين والمعزين لسيد شباب أهل الجنة، فإنها تبقى متميزة عن جميع الإطعامات في المناسبات المختلفة وإن كانت مهمة وذو فوائد جمة. 
وباتت الشعائر الحسينية في شهر محرم وصفر تزدهي بإطعام ضيوف أبي عبد الله الحسين عليه السلام وتقديم كافة الخدمات لهم من شراب ومبيت وغيرها.
عن الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم قال: (من موجبات مغفرة  الرب  تبارك وتعالى إطعام الطعام). (الكافي للكليني رحمه الله باب فضل اطعام الطعام 6218 – 1).
وعن مولانا ومولى الثقلين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: (الضيافة رأس المروءة) وعن الإمام الصادق عليه السلام: (من أشبع مؤمناً وجبت له الجنة). (وسائل الشيعة ج 24 ص261 ص275).
فليس الطعام وحده عليه الثواب والأجر فهناك خدمة المرضى وتقديم الماء لزوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام والشاي وغيره من المشروبات، عن الإمام الصادق عليه السلام: (من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء بموضع لا يوجد فيه الماء كان كمن أحيا نفساً، ومن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعا). (من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق : 2 / 64).
نعم للطعام أثر كبير وثواب عظيم عند الله لما له من دور في تشجيع الناس والمؤمنين على إيتاء جميع الشعائر دون أن يفكر في تحمل طائل تحضير طعامه أو شرابه، فترى عزيزي القارئ طرقات كربلاء المقدسة بل طرقات العراق من أقصاه إلى أقصاه قد توزعت فيها القدور هنا وهناك وامتدت فيها موائد الطعام حتى صارت بعضها تمتد لمئات الكيلومترات في أعظم وأضخم موائد اطعام في العالم، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على حسن الضيافة وكرم الأخلاق الذي يتحلى به المؤمنون الحسينيون وأخص بالذكر منهم شعب العراق الأبي والكريم والمضياف، وتناوبت الهيئات والمواكب في توقيتات الإطعام حتى لا يفوت أي واحد منهم ثواب إطعام ملايين الضيوف على سفرة أبي الثوار الحسين عليه السلام.
ووصفت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا متمثّلة بوكيلها سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) من منبر صلاة الجمعة الماضية أصحاب مواكب خدمة زائري أربعينيّة الإمام الحسين(عليه السلام) بأنّهم أهل الكرم والجود والحميّة والسخاء، مبينة: (إنّنا نثمّن ونُبارك هذا الجهد الكثير والكبير من الإخوة الأعزّاء أصحاب المواكب المنتشرين على طول المسافة، الذين ما زالوا يبذلون الأكل والشرب والفراش ويفتحون مضائفهم ومواكبهم للمبيت، ويخدمون الزائرين بهذه الطريقة الجليلة التي تعجز الكلماتُ عن وصفها، فهم أهل الكرم والجود والحميّة والسخاء، اللهمّ زدْ في أموالهم وتوقيفاتهم واجعل هذه الأعمال قربةً اليك وصلةً الى حبيبك محمد المصطفى(صلّى الله عليه وآله).
الاطعام الحسيني في الفضل والخصائص والأجر يبقى على رأس قوائم الإطعام، لما للحسين عليه السلام من منزلة عظيمة عند الله تعالى وعند الرسول الأعظم والعترة الطاهرة، ولولاه لاندثر دين جده، بل اندثرت جميع الأديان ورجعت الأمة القهقري إلى زمن الجاهلية البغيض، ولهذا فإنه كلما كان الجهد في اعداد الطعام الحسيني أكبر كلما كان الإحساس بالفرحة النفسية والجسدية أعظم، وهذه الميزة لا نشاهدها في اطعام جميع المناسبات ما خلا اعداد الطعام للمولى ابي عبد الله الحسين عليه السلام وأهل بيت النبوة الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
الاستغراق في الاطعام لا يعني أنه هدف بحد ذاته، بل يبقى وسيلة لبلوغ الهدف الأسمى وهو التحلي بأخلاق الحسين عليه السلام، وأن يكون سببا في تقوية الجوارح والجوانح في عبادة الله المتعال، وعندما نقرأ الدعاء (اللهم قو على خدمتك جوارحي) معناه إنك تأكل لا من أجل الأكل، فبماذا اذن تختلف عن سائر الحيوانات؟! بل إن أكلك هو تغذية لجسدك لشحنه تلك القوة المادية التي تتحول إلى قوة معنوية تؤصّل فيك معاني العبادة والنظافة والأناقة وعدم التبذير والاسراف ومساعدة المحتاج وسد جوعة الفقير والمسكين، فالإطعام الحسيني اطعام هادف تماما كثورته الرافضة للظلم، الواهبة للإنسانية معنى الحرية والسلام. 

أحدث المقالات

أحدث المقالات