الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن شيء في قمة النبل وألأخلاق مهما كان نوع تلك المسؤولية سواء كان عملاً صغيراً أم كبيرا. الشعور بحب الوطن يأتي بطرق وأفعال مختلفة كلها تصب في قالب واحد ألا وهو خدمة الوطن بصورة عامة والمجتمع الصغير الذي ينتمي إليه ذلك الفرد على مستوى العائلة أو المنطقة أو المدرسة وأشياء كثيرة أخرى. ربما نجد مسؤولاً كبيرا في مركز وظيفي مرموق إلا أننا نفهم من خلال بعض ألأعمال التي يقوم بها – تدل على أنه لايشعر بأي مسؤولية – تجاه الوطن الذي ينتمي إليه ولا الى إلتزاماته ألأخلاقية تجاه الشعب الذي يتكون منه ذلك الوطن. من خلال التجارب الكثيرة التي مرت علينا منذ زمن التغيير الى هذا اليوم سمعنا وقرأنا وشاهدنا في مناسبات كثيرة أن عدد من المسؤولين قد إرتكبوا أخطاء شاسعة البون كلها تصب في عدم الشعور بالمسؤولية الكبرى تجاه الشعب والوطن حيث راحوا يسرقون أموال الشعب بطريقة مرعبة جعلتنا أن نصنفهم في جدول عدم حب الوطن وعدم الشعور بالمسؤولية الكبيرة التي ينبغي عليهم إتباعها خدمة للصالح العام. في الطرف ألآخر من المعادلة شاهدنا وسمعنا عن حالات فردية رائعة ترسم خارطة كبيرة لحب الوطن والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع الذي ينتمون إليه. نجدهم يبادرون الى فعل أشياء تحقق فوائد كبيرة للمحيطين بهم دون أن يلتمسوا مساعدة من الدولة التي يعيشون فيها وهذا هو أعلى درجات الشعور بالمسؤولية وحب ألأرض الطيبة التي ينتمون إليها. حكاية أستاذة التاريخ في إعدادية ألأعظمية للبنات ” سراب إسماعيل” جعلتني أتامل هذا الحس الوطني الكبير الذي إنبثق في روحها وجسدها من أجل تقديم خدمة شخصية كبيرة لمدرستها دون أن تستجدي شيئاً من التربية أو الدوائر المسؤولة عن ترميم وتنظيف وتهيئة صفوف دراسية مؤهلة لتقديم خدمة كبيرة للطالبات فيها. سارعتْ الى عقد جلسات مختلفة مع مديرة المدرسة ألأستاذة ” يسرى إسماعيل” وصديقتها ألأستاذة ” سلوى نصيف ”
وناقشن كيفية المبادرة الى ترتيب الصفوف وإعادة تأهيلها لتكون مناسبة للعمل فيها وبعد مناقشات مستفيضة راحت ألأستاذة ” سراب” تجمع فريقاً من طالباتها النشيطات من أجل القيام بهذه المهمة الشاقة دون طلب أي مساعدة مادية أو معنوية من الجهات المسؤولة عن التعليم التي تتبع اليها مدرستها. كانت قد وضعت أمام نصب عينيها مقولة الدكتور ” فلاح القيسي الرائعة وهي – مدرستنا بيتنا- حيث شجع على تقديم المبادرات ألأنسانية قدر المستطاع وحسب القدرات المادية الخاصة. شكلت ألأستاذة ” سراب الصالحي فريق من الطالبات الرائعات وهنَّ – أمنية بشير, إسراء غسان, آية مصطفى, حوراء معين, تمارا مصطفى, بلقيس نهاد, قبس عمر, لندا بكر, ميار عبد السلام, منة الله رائد, مريم علي, مريم قصي, هيا ثامر ونورا إسلام ” .
إتصلتُ بألأستاذة – سراب إسماعيل الصالحي مدرسة ألأجتماعيات وحاورتها بصورة مفصلة عن فكرة العمل وكيفية إنجازه أقتطف جزءأً من ذلك الحوار حيث قالت ” حينما إستلمتُ الصف الخامس ألأدبي شعبة –ج- فكرتُ بصورة جدية من أجل ترتيبة وتنظيفة والرسم على الجدران وتغليف الرحلات ومن هنا بدأ التعاون بيني وبين طالباتي بعد رفدهم بمستلزمات وإحتياجات العمل وكانت النتيجة رائعة والحمدُ لله. كُنَّ متعاونات معي جداً ولايوجد أي تذمر.
بعد إتمام الصف إستلمتُ المكتبة من ألأستاذة ” سلوى نصيف” وبأشراف مباشر من مديرة المدرسة ألأستاذة ” يسرى إسماعيل ” وكان عملاً مرهقاً ولكننا أنجزناه بطريقة رائعة. ومن الجدير بالذكر أن إدارة مدرستنا تقع عليها أعباء كثيرة جداً ومع هذا ظلت المديرة تتابعنا بكل دقة وكانت تحفز الجميع لتنظيف الحديقة ورفع ألأنقاض . أما المستلزمات ألأخرى التي نستطيع شراؤها من مالنا الخاص كأصباغ وفرش وزهور ومنظفات وأدوات تنظيف فهي مشاركة وجدانية من مالنا الشخصي بألأضافة لتبرعات بعض الطالبات اللواتي يرغبن بالمشاركة. لم تكتب إدارة المدرسة للتربية ولم تطلب أي مساعدة مادية أو معنوية لأنها أعمال تطوعية وكان الهدف خلق مكان تعليمي جميل يليق بنا جميعا. التوفيق بين العمل التدريسي والعمل التطوعي كان شاقاً جداَ لأن الوقت كان ضيقاً وكان لابد من تقسيم الوقت بين العمل والدراسة والحمد لله نجحنا نجاحاً باهراً على الرغم من التعب والجهد الذهني والعضلي” .
من خلال بعض الصور التي قدمتها لي ألأستاذة ” سراب ” شعرتُ وكأن الجميع كانوا يقاتلون في جبهات حقيقية من أجل النصر على عدو شرس ألا وهو الخراب والتشتت الظاهر على مناطق كثيرة في ميادين العمل. المكتبة كانت كأنها مدينة مدمرة تعلوها ألأتربة ومزقتها الديدان الصغيرة التي كانت تعبث بأوراق الكتب الثمينة وكأنها قد تعرضت الى قصف همجي وحشي من عدوٍ لايعرف الرحمة. أيادي الطالبات الرقيقة كانت تعزف ألحانها على كل بقعة تصل إليها أناملهم وكأنهن يُطلقن الرصاص على عدو كان قد إنتشر في كل زاوية من زوايا المكان. جنس لطيف لكنه حقق عملاً جباراً لكل من سيدخل تلك الصفوف والمكتبة. كانت الطالبات شموع تحترق من أجل بقية الزميلات. لو كنتُ مسؤولاً – قدر تعلق ألأمر بالموضوع- لمنحت كل من شارك في ذلك العمل وسام الشرف والتضحية من الدرجة ألأولى رمزاً للجهد الكبير المبذول من فريق العمل بلا إستثناء. ذكَّرني فريق العمل من الطالبات المذكورة أسمائهن أعلاه بأفواج – الحشد الشعبي – وهم يقاتلون بضرواة من أجل تحرير ألأرض في كل زاوية من زوايا الوطن الكبير, هُنَّ مقاتلات من موقعٍ آخر ألا وهو موقع المدرسة وكيفية ترتيبها دون أن ينتظرن كلمة شكر من مسؤولٍ كبير أو وزير يتحمل مسؤولية التعليم في كل العراق. كمواطن بسيط أتمنى من وزير التربية أن يوجه كتاب شكر أو مكافأة عينيه لكل فرد ساهم في ذلك التغيير.
ملاحظة : جميع المدرسات والطالبات من الصفوف ألأخرى قمن بالعمل نفسه مشكورات ولكننا أخذنا الست – سراب- نموذجاً يمثل الجميع.