من غير المستبعد أن يكون المسار الذي اتخذه التعامل مع قصف المدمرة “ماسون” قرب باب المندب بين الاعتبارات التي تدفع الإدارة الأمريكية للذهاب إلى أقصى حدود “الهوليودية” في إدارتها للمعركة تصلح الأساطير وخيالات السينما والمسرح أحياناً مداخل لاستيعاب خفايا الحروب والسياسات حين توغل في سورياليتها وتخفق أطرافها في التحكم بخيوطها كثيرة العقد كما هو الحال في المنطقة العربية وجوارها .
الأداء الأمريكي في معركة الموصل آخر التطورات التي يمكن إخضاعها لمثل هذه المقاييس دون تردد ولن يكون الأخير فهو يحتفظ بـ “هوليودية” الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة على مدى القرنين الفائت والحالي دون أن يتخلى عن حرص على تجنب انزلاقات مثيلة للتي أفرزت ظاهرة “الهيبيز” المنسوبة لحرب فيتنام أو ردود فعل شبيهة بالتي أعقبت غزو إدارة الرئيس جورج دبليو بوش للعراق.
توقيت المعركة الذي تم تحديده ليتزامن مع قرب العد التنازلي للانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تحولت إلى خاصرة رخوة في الصراع مع روسيا يوضح بعض ظواهر الإثارة والتشويق الفائضة عن حاجات وقدرات مسار الأحداث الجارية في الموصل ومحيطها .
يلتقي في هذه الحالة تضخيم قدرات داعش والمبالغة في مفاجآته المتوقعة والقوات التي تم حشدها لمواجهة التنظيم وسيناريوهات تسرب عناصره إلى الأراضي السورية مع شبهات التدخل الروسي لمساندة دونالد ترامب والنيل من هيلاري كلنتون عبر موقع ويكليكس وناشره جوليان أسانج.
في هذا السياق تندرج حاجة الإدارة الأمريكية لتجاوز الهزات التي ألحقتها تداعيات العجز عن وقف التصعيد الروسي في حلب ولم تخفف من حدتها مخرجات مؤتمر لوزان التي أتاحت للرئيس باراك أوباما النزول عن الشجرة ومنحت نظيره فلاديمير بوتين هامشاً زمنياً أوسع لفرض واقع مختلف يتم البناء عليه لاحقاً.
ومن غير المستبعد أن يكون المسار الذي اتخذه التعامل مع قصف المدمرة “ماسون” قرب باب المندب بين الاعتبارات التي تدفع الإدارة الأمريكية للذهاب إلى أقصى حدود “الهوليودية” في إدارتها للمعركة .
يجد طغيان الإثارة السينمائية على الإدارة الأمريكية لمعركة الموصل بعض مرادفاته في مظاهر مشابهة يمكن التقاطها من أداء الأطراف الاقليمية التي تحاول إدراك شروط اللعبة واللعب على أساسها مثل الإصرار التركي على تراجيدية المغامر المستعد لقطع مسافات طويلة على حافة الهاوية مع إبقاء هامش للاستدارة المفاجئة إذا فشلت المناورة ، أو التشبث الإيراني بآليات تحريك الدمى في مسرح العرائس العراقي الذي سرعان ما يستعير مفردات المسرح العبثي إذا انتقل المتفرج لمتابعته من الزاوية الأقرب للتفاصيل العراقية حيث تتشكل هويات جديدة ويعاد توزيع الديموغرافيا ويزداد اللغط حول وحدة البلاد وتحتفظ الأزمات بأسبابها رغم الإفراط في التفاؤل بالحسم النهائي.
افتقار أصحاب الأداء الهوليودي لقوة الإقناع وانكشاف محاولة توظيفهم معركة الموصل في الصراعات الداخلية الأمريكية يكرس الصورة الهشة لصانع القرار الأمريكي ويحول دون ظهوره بصورة الـ”رامبو” أو “جندي المارينز” المؤهل للسيطرة على الموقف مما يبقيه عرضة للتجاوز مع نهاية المشهد الأخير ما لم يجدد أدواته في التعامل مع التناقضات الاقليمية وقدرتها غير المحدودة على إعادة انتاج الأزمات.