لإسقاط حكومة العبادي بتصويتهم على منع الخمور!!
القرار الذي صوت عليه مجلس النوّاب العراقي بالأكثرية في جلسته التي إنعقدت في يوم السبت المصادف 22/10/2016م، والذي نص على حضر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة انواعها في المادة (14) من قانون واردات البلديات أثار ردود أفعال وجدل كبيرين في الشارع العراقي للغاية منه وتوقيته.
وحيثُ من المفترض أن يكون مجلس النوّاب مشغولاً الآن في إصدار القرارات التي تقوّض الفكر الداعشي السلفي وليس القرارات المؤيدة لفكره وترسيخها، وحيثُ يؤكد رافضوا هذا الحظر تعارضه مع المادة الأولى من الدستور والتي تنص على :”عدم تشريع أي قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية”، والمادة الثانية التي تنص على : “منع أي تشريع يتناقض مع الحقوق والحريات الفردية ومبادئ الديمقراطية”، والتي تشمل حرية الأديان الأخرى في إختيار أساليب وطرق حياتهم ومعيشتهم، فداعش طرد وهجّر بقوة السلاح المسيحيين واليزيديين والصابئة المندائيين وغيرهم ممن يؤمنون بمعتقدات دينية خاصة بهم، ومجلس النوّاب العراقي يطردهم ويهجرهم بقوة قراراته!!!.
ولقد أدخل مجلس النوّاب نفسه في عنق الزجاجة وبمواجهة مباشرة مع الكنائس المسيحية ورجالها، وحيث لا يعلم جهلته من أن الشعائر الدينية (الليتورجيات) وخدمة الإفخارستيا المقدسة في القدّاس المسيحي أيام الآحاد وفي جزءٍ مهم منه هو أن يرفع الكاهن كأس الخمر مردداً نفس العبارات التي رددها السيد المسيح لتلاميذه في العشاء الأخير!! ـ ـ ـ، وفي هذه الحالة، فيجب ـ ـ ويجب ـ ـ ويجب على مجلس النوّاب العراقي أن يشرّع قانون آخر يستثني الكنائس المسيحية من منع إستيراد أو صناعة الخمور لديمومة القيام بشعائرها الدينية، وإلا سيكون مخالفاً للمادة الثانية من الدستور بشكلٍ لا يقبل الجدل، ولو فعل فأنه سيواجه مشكلة تجاوزه على الشريعة الإسلامية وأحكامها!!!، كونه سيكيل بمكيالين في تفسيره لأحكام الشريعة، وفي هذه الحالة أيضاً سيصبح قراره بمنع الخمور ومبرراته الفقهية في خبر كان!!!، وكان من المفروض على نوّاب البرلمان المسيحيين التنبيه الى هذه النقطة المهمة قبل التصويت على القرار.
فأفراد الجيش العراقي البطل والحشد الشعبي بكافة تسمياتهم يُضحون بأرواحهم لتحرير المناطق المسيحية وكنائسها ودعوتهم لإخوانهم المسيحيين للعودة وإحياء شعائرهم الدينية، وأعضاء مجلس النوّاب في قاعاتهم المبردة يصدّرون القرارات لمنع المسيحيين من ممارسة شعائرهم وتهجيرهم مرة أخرى!!!.
وبدل من ان يناقش مجلس النوّاب في جلسته قانون إزدواج الجنسية محاولاً إستثناء أعضائه منه، وحيثُ أن القرار كان صريحاً بشمول كل المسؤولين في الدولة العراقية به، راح البعض من أعضائه المتضرر من هذا القرار إشغال المجلس بطرح قرارات أخرى للتصويت عليها ومنها منع شرب وتداول الخمور الذي وافق عليه المجلس.
وبهذا القرار تبادل (البعض) من أعضاء المجلس الأدوار مع إخوانهم وابناء عمومتهم الدواعش الذين قُتِلوا في عمليات تحرير الموصل وغيرها من المناطق المحررة، فأخذوا محلّهم في إصدار فتاوى التحليل والتحريم متذرعين بالشريعة وأحكامها.
وليس لي علم عن سبب تباكي (المتأسلمين) من أعضاء الحكومة ومجلس نوّابه على فقرات محددة من الشريعة دون غيرها، فنراهم متمسكين بها فيما يخص الأرث والخمور ومتغافلين عنها فيما يخص السرقة والزنى وغيرها من الفقرات!!!!، وحيثُ صوت المجلس بالعفو عن سرّاق المال العام دون إرجاع دينار واحد من السرّاق للخزينة المركزية، لا بل أعطاهم الغطاء القانوني لسرقاتهم، ومنحهم حريتهم في التنقل والإستمتاع بالأموال المسروقة التي تقدر بمئات المليارات.
فلماذا لا يُحرّمون سرقة المليارات وهم أهلها، وليسمح لي مجلسهم (الموقر) في إقتراح إعادة التصويت على قرار منع المشروبات الروحية، ولكن بشكل سرّي وليس علني، وأنا أجزم بان النتيجة ستكون لصالح بقاء المشروبات الروحية وليس عكسها وبأغلبية ساحقة!!!.
ايها المتخلفون هل الضرر في شرب الخمر أكثر من ضرر الأفكار المتطرفة؟؟!!، وهل رأيتم اي مخمور او محتسي للخمر قد فجر نفسه وقتل الأبرياء صارخاً ومكبراً للخمر؟؟!!.
فبدلاً من أن تحرّموا وتمنعوا تداول الخمور، حرّموا وأمنعوا تداول الأفكار المتطرفة التي تجيز كل الموبقات من قتلٍ وتدميرٍ وسبي للنساء والأطفال وإستعباد للبشر، والبعض من أعضائكم حاضنين ومروجين لها، ولهم قنواتهم المعروفة في دعم عناصرها.
لقد قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي: “ليس هدفنا القضاء على داعش عسكرياً فقط، وإنما القضاء عليهم فكرياً ودينياً”، وسؤالي: هل قرار منع المشروبات الروحية يدخل في إطار القضاء على داعش أم نصرتهم؟؟!!!.
والقرار المذكور في منع المشروبات الروحية تم إقرارهُ نتيجة إقتراح قدمه النائب محمود الحسن عن حزب الدعوة الجناح المؤيد لنوري المالكي، وكما مبين في الرابط أدناه: https://www.kitabat.com/ar/page/23/10/2016/87348/%D8%AC%D8%-%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%B9-AF%D9%84-%D9%85%D9%86%D8%B9-D%D9%88%D9%84%D8%A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B5%D9%86%D8%B9-%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%85%D9%88%D8%B1.html-
ويدخل هذا القرار في مجال الصراع على منصب رئاسة الوزراء بين رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي ونوري كامل المالكي رئيس الوزراء السابق الذي أُجبِرَ على التنازل عن منصبه نتيجة لفشله في إدارة الدولة وإتهامه بمسؤوليته المباشرة بسقوط ثلث الأراضي العراقية بيد داعش، وإختفاء أكثر من سبعمئة مليار دولار من الميزانية العراقية خلال فترة حكمه وتصاعد الصراع الطائفي الذي كان سبباً في تغذيته له، حيثُ شعر الأخير (نوري المالكي) إزدياد شعبية حيدر العبادي بعد إعلان البدأ بعمليات تحرير نينوى وموقفه الصلب بوجه أردوغان في منع التدخل التركي، وإستثماره للفرص المتاحة الداخلية والخارجية لتعزيز منصبه الذي بدا مهزوزاً طوال فترة حكمه، فأوعز المالكي لأحد أعضاء حزبه في البرلمان الى طرح مقترح منع الخمور للتصويت عليه ولإحداث بلبلة في الشارع العراقي، ولكسب بعض المؤيدين وإحداث فتنة داخلية.
فلماذا لم يطرح نوّاب البرلمان لحزب الدعوة المؤيدين للمالكي هذا الإقتراح للتصويت عليه في فترة رئاسته للوزراء التي تجاوزت الثمانية سنوات، كان فيها إبنه أحمد المالكي يصول ويجول في بارات وديسكوات بغداد ولياليها الحمراء.
وكعادة أعضاء مجلس النوّاب لم يُخضِعوا هذا القرار كغيره من القوانين التي تمس المجتمع الى دراسة مستفيضة وأخذوا جانبه الفقهي الديني فقط، وحيثُ أن تطبيقه سيؤدي بالتأكيد الى
إنتعاش صناعة الخمور في البيوت والمزارع وبشكل غير قانوني، وتكثر المشروبات الروحية ذات الكحولية العالية التي قد تصل مابين 70 ـ 90% بنسبة الكحول فيها، مضافاً اليها بعض المواد الكيمياوية المضرّة لزيادة تأثيرها المسكّر، وهذا النوع يكون قاتلاً في الكثير من الأحيان والذي يعرّفه العراقيين بـ “أبو الكلبجة” أو “هبهب” نسبة الى قرية هبهب في محافظة ديالى التي ينتمي اليها رئيس المجلس سليم الجبوري!!!، وحيث كانت تكثر صناعته هنالك.
وستحتاج الدولة وأجهزتها التنفيذية الى سحب أجزاء كبيرة من عناصر شرطتها من مهماتهم في مراقبة الإرهابيين وإستتباب الأمن الذي هو أساساً هش لمراقبة تنفيذ هذا القرار وملاحقة مخالفيه وتقديمهم للمحاكم، التي ستنشغل بقضايا “سخيفة” مقارنة بالقضايا التي تحتاج الى سرعة البت فيها لتسريع المصالحة الوطنية التي رفعها العبادي تزامناً مع تحرير نينوى والتي تتعلق بالآلاف من الموقوفين بتهمة الإرهاب.
كما ان آلية تنفيذ هذا القرار ستزيد من الرشاوي لعناصر الشرطة التي هي أصلاً متهمة بها على شكلٍ واسعٍ، وستحرج رئيس الوزراء بمطالبة وزارة الداخلية له لتعيين المزيد من العناصر لأجهزتها الأمنية مما سيولد ضغطاً إضافياً على الميزانية الحكومية في هذا الظرف الإقتصادي الصعب.
وعلى الدولة تعويض المتضررين من هذا القرار من مالكي محلات بيع المشروبات الكحولية وبقية المرافق التي تعتمد في مردودها المادي على بيع وتجارة الخمور، وحيثُ لم يعطي مجلس النوّاب المدة الزمنية الكافية (سنة على أقل تقدير) للمتضررين لتلافي الخسارات المادية التي ستتجاوز الملايين من الدولارات، والتي ستحرج الحكومة في تعويضهم بسبب الضائقة المالية.
إن وراء هذا القرار وتوقيته عناصر يقودهم من له مصلحة شخصية في إسقاط حكومة العبادي وهم بذاتهم الذين أحرجوا رئيس الوزراء الحالي برفع الثقة عن أهم وزرائه وفي هذا الوقت بالذات، والذي هو بأمس الحاجة لهم لتنفيذ خطته للقضاء على داعش ومن ثمّ الألتفات الى بقية القضايا وخاصة الميليشيات الحزبية.
وقد أشغلوا مَنْ أقرّوا هذا القرار وفي هذا التوقيت بالذات الشعب وإعلامهِ بإنتقاده للقرار بدلاً من توجيه إهتمامهم وأقلامهم لخدمة المعركة ضد داعش، وكأن من أقروا وصوتوا على هذا القرار يريدون الإنتقام والثأر لهزيمة داعش في أرض المعركة!!!.
وربما هنالك إتفاق ما بين (البعض) مِمَنْ أيد هذا القرار من أعضاء البرلمان وتجّار إقليم كردستان الذي يسمح بشرب وتداول الكحول داخل حدوده، وحيثُ إتفق هذا (البعض) مع تجّار كردستان لعمل “البزنس” وخلق مافيا جديدة لتجارة مربحة بيئتها السوق السوداء لتعويض خساراتهم للمليارات التي كانوا يسرقونها من الخزينة العراقية وبطرق مختلفة، فمن المعروف دولياً من أن تجارة السوق السوداء للمشروبات الروحية تدر ربحاً كبيراً جنباً الى جنب مع تجارة المخدرات وتجارة السيكاير، وتنحصر تجارتها بالمافيات المحلية المرتبطة بالمافيات الدولية.
ولا أرغب في هذه المقالة في الدخول الى ما يقوله الفقه وتفسيراته المثيرة للجدل ما بين فقهاء الفقه والشريعة أنفسهم حول هذه النقطة بالذات، ويستطيع القارئ الكريم البحث في جوجل (كوكل) عن كل صغيرة وكبيرة بهذا الشأن والتصريحات الصادرة بالصوت والصورة من أفواه رجال الدين ذوي المراكز المهمة وعبر لقاءاتهم على الفضائيات الكبيرة، وحيث أن الكثير منهم يشكك بطريقة التفسيرات الخاطئة لمنع شرب الخمر.
ولم يحدث ان تم سابقا منع الخمور في العراق وعلى مر العصور، وكانت بغداد في العصر العباسي وما بعده تشتهر بليالي سمرها التي تغنى بها شعرائها ومن أشهرهم “أبو نؤاس”، حيثُ تغنى بالخمر قائلاً:
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ـ ـ ـ لو مسها حجرٌ مستهُ سرّاءُ.
فدعوا الناس مخمورين أفضل لكم من أن يصحوا ويشاهدوا ما حلّ بهم من دمار، عندها سيدخلون الى منطقتكم الخضراء بكامل قواهم ويحيلونكم الى أجساد تغطيها الدماء، كما فعلوها سابقاً بقنفتكم.
والشعر الشعبي العراقي زاخر بالمفاخرة بشرب الخمر:
ما طول بالنخلة تمر ـ ـ ما جوز من شرب الخمر.
وأنا أتوقع من أنّ هذا القرار “الداعشي” سيجبر المحتجين عليه على رفع شعار:
بغداد ممليّة تمر (گطّر) وإشرب الزحلاوي.
مستلهمين بيت شعرهم من نفس وزن وقافية شعر الشاعر الشعبي الخالد “الملا عبود الكرخي” بقوله متفاخراً ببغداد الحبيبة:
بغداد مبنية بتمر فلش واكل خستاوي
وحين إتهم البعض من سياسيينا “أنجيلا ميركل” رئيسة وزراء المانيا بسرقة الكفاءات العراقية وإحتسائها للبيرة حين وافقت بقرارها الإنساني على قبول اللاجئين الهاربين من بطش سياسيينا ودواعشهم، عنونتُ إحدى مقالاتي السابقة للدفاع عنها وعن قرارها قائلاً:
نريد مسؤول يشرب بيرة ـ ـ وما نريد مسؤول ما عنده غيرة!!.
وقد أثار قرار منع المشروبات الروحية ردود أفعال كبيرة في الشارع العراقي وإعلامه، وضجّت وسائل الإعلام بالمقالات والتحليلات على تداعياته فيما لو نفذ، ادناه بعض الروابط التي تخص قرار منع المشروبات الكحولية: 02.html-13-08-23-10-2016-http://algardenia.com/maqalat/26540
والرابط: c=824152.0http://www.ankawa.com/forum/index.php?topi
كما أن الباحث “طلعت ميشو” كان قد نشر مقالة بحثية فريدة وظريفة تضمنت الكثير من المعلومات التاريخية والقصص الظريفة والأشعار عن الخمور وما له علاقة بها على الرابط أدناه: -20-21-01-2014-http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/846307.html-16
ختاماً وختامها مسك دائماً، على رئيس الوزراء حيدر العبادي أن يستخدم صلاحياته في تأجيل تنفيذ هذا القرار الى “إشعار آخر”، وذلك لإفشال مخططات خصومه في القضاء عليه وعلى مكاسبه التي حققها.