إن الاحتجاجات ف العراق والمطالبة بالإصلاح والتغير والتي اجتاحت اغلب مناطق البلاد وقادها مجموعة من الوطنيين والمستقلين لم يكتب لها برنامج واضح في بداية الأمر ، ولم تعرف الجهة الداعية إليها ، أو من ينظم شعاراتها ومطالبها أو اللجان التي ستتفاوض لمتابعة استجابة الحكومة لتلك المطالب ، وهذا واضح في تعدد الشعارات وسعتها وتباينها من منطقة الى أخرى ، ومن ساحة الى ثانية ، مما جعل مرجعيتها غير واضحة المعالم .
هنا أتكلم ليس بمنظور الكاتب الذي يكتب عن حالة بعينها ، ولكن أخذنا بعين الاعتبار كل الآراء المتعلقه بالتظاهرات الشعبية والتي تهتم أحيانا بتحديد الجهة الداعمة لها لنحدد بعد ذلك الطريق الذي ستسلكه أو ستصل اليه في نهاية المطاف والنتائج المترتبة على تلك الاحتجاجات .
هناك ثلاث خطوط عريضة لتحديد ماهية هذه التظاهرات ، أو لنقل ثلاث آراء تنبع من صميم الشارع العراقي المترقب بلهفة للنتائج التي ستؤل لها تلك التظاهرات والمسيرات المطالبة بالإصلاح الشامل والجذري ، وهذا بالتأكيد ما نلاحظه في أغلب الشعارات المرفوعه على رؤوس المحتجين ، وهذه الخطوط هي :الخط الأول يرى بأن المقربين والموالين من رئيس الحكومة السابق نوري المالكي هم من عملوا على قدح شرارتها بالتعاون مع بعض الكتل السياسية الغير مستفيدة من حكومة العبادي خصوصا التي كانت تساند رئيس الوزراء السابق لولاية ثالثة ، محاولة منها لإثبات فشل هذه الحكومة او الضغط عليها من اجل عدم الذهاب بعيدا عن تحالفاتها السابقة او حتى إسقاطها ان سمحت الفرصة بذلك ،الرأي الاخر يذهب بالاتجاه المعاكس تماماً ، فمنهم من يرى ان حكومة حيدر العبادي هي من تخطط لهذه التظاهرات بعناية فائقة ، وانها _ أي الحكومة _ ستتأقلم معها وتسفاد منها ، بدعم من المجلس الأعلى والتيار الصدر ، وهذا نابع من عجز الحكومة من السير في منهج الإصلاح مالم تكن هناك قوى شعبية تدعمها ، أو بمعنى أدق أن تضع الحكومة كل القوى السياسية على المحك من خلال المد الشعبي ودعمه لها .الرأي الأخير والذي هو اقرب للواقع من غيره والذي يعطي صورة مبسطه لحالة التظاهر بأنها ظاهرة شعبية تحدث في أي بلد من بلدان العالم ، من خلال عفوية الشعارات وتعدد النسيج المجتمعي المشارك فيها وتعدد التيارات الفكرية المطالبة بالإصلاح ( التيارات المدنية والتيارات الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني ) واختلاف مطالب المحتجين من مكان الى آخر رغم اتفاقهم في أصل الموضوع والذي لا خلاف عليه ، مما يؤكد كونها حالة طبيعية ولدت من رحم نقص الخدمات وتفشي ظاهرة الفساد في كل مفاصل الدولة بشكل وصلت فيه خزينة الدولة للإفلاس ، وتفشي بطش المليشيات المسلحة التابعة للأحزاب الإسلامية الحاكمة ، وتسيس القضاء واستخدام القانون بازدواجية وغياب الشفافية في توزيع التعينات وغياب المحاسبة ، وأخراج مسرحيات هزلية عناوينها تناغي المشاعر الوطنية للمتظاهرين لكن للأسف لا تنطلي عليهم منها مسرحيات الاستجواب والاقاله لبعض الوزراء المتهمين بالفساد .من ناحية أخرى وفي جنوب العراق تحديداً ومن خلال التقسيمات الطائفية التي ادخلتها مع الهيمنة الإيرانية عليه يستشعر أهلنا من البصرة حتى بغداد أنهم أصبحوا مثل من يبلع السكين ، فقد فرحوا لانهاء نظام صدام حسين لكنهم اليوم يعلنونها على الملأ بصرخات مدوية :
ماذا استفدنا من التغيير ومنذ عام 2003ولحد الان .؟
وهل هناك مشاريع تنموية جديدة .؟ من زراعة وصناعة وتربية وتعليم والطرق والجسور ، والصرف الصحي ومشاريع المياه والواقع الطبي … الخ .. من تلك المشاريع ، فكل ما هو موجود اليوم هو من زمن النظام البائد والذي تعتمد عليه الحكومات المتعاقبة منذ السقوط ولحد الان ، ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا مهما كان أنتمائه أو توجهه ، ففي فترة حكم نوري المالكي والتي دامت ثماني سنوات ، استطاعت إيران السيطرة على ما يعادل ( 400 مليار دولار ) من أموال العراقيين وعلى حساب بناهم التحتية التنموية ، وظلت وكالة الدعاية الايرانية تخدر العراقيين بالطائفية ، وتقوم استخباراتها وعملاؤها في القاعدة وداعش باستهداف الشيعة ؛ لجعل إيران الملجأ الوحيد لهم ، ولتوغر صدورهم على السنة ، فيما وجدها بعض مراجع الدين سبيلا للبقاء والحضور والتأثير والحصول على الامتيازات ، بينما وجدها السياسيون فرصة للبقاء لمدة أطول في الحكم وما يرافقها من فساد مالي واداري ، أما المواطن المسكين ليس له سوى اللطم ودروب الآلام سيرا ، كما قال أحد السياسيين وهو عزت الشابندر حين قال بالحرف الواحد ومن خلال شاشات التلفزيون :
( نحن لم نفعل شيء ذي قيمه للعراقيين _ خصوصاً الشيعه منهم _ غير سرقة قوتهم والبكاء على ضحاياهم امام الكاميرات ، وجعلناهم يلطون ويبكون على راحتهم ، وتركناهم يسيرون من البصرة حتى كربلاء لان هذا هو طموحهم الأكبر )
على الرغم ن هذا فقد حاول بعض السياسيين ركوب هذه الموجة من المظاهرات وأظهار نفسه للناس على انه واحد منهم وانه يطالب بالإصلاح السياسي وإنقاذ البلاد من شبح الفساد والمليشيات التي تسطر عليه ، لاأعتقد أن العراقيين على هذا القدر من السذاجة التي يتصورها البعض ، فهذه الحيل الرخيصة لن تنطلي عليه مجدا ، وان رجال التحرير ماضون في أحتجاجاتهم ومشروعه الوطني الإصلاحي على رغم انوف من يريدون بالعراق شرا وفسادا .