لا أخفيكم سراً وكالعام الماضي عندما يصل اليوم المنسوب لأبا الفضل؛ أقف صامتاً ماذا أكتب؟! كيف أبدأ؟ من أين أتحدث؟ وتَسلب مني هذه الأسئلة كل الوقت حتى تكاد تنقضي المصيبة دون المشاركة بعظيم ثوابها! هذه المرة مخيلتي تأخذني أيضاً، لكن الى أين؟.
كان الضجيج يعم المنطقة، وسرعان ما عم الهدوء شيئاً فشيئاً سقط العباس، فتزاحمت الحوافر والرماح والفرسان والرياح، لكنه كان منشغلاً بشيئاً يليق بجماله، حيث توقف شريط ذكرياته عند أم البنين –ع-، بدأ يقص لها ما جرى في الطف، ليضعها في صورته، ويطمئن قلبها المعصور ألماً، ليقول لها ها انا واخوتي على الثرى، فيما الحسين لا يزال شامخاً وسط المعركة.
شرح لأمه كيف أستشهد اخوته بعد ان جهزهم واعدهم للقاء الجلالة، يا أماه استأذنوا إمامنا وأقبلوا الى الوغى وفيهم عرق علي –ع-وتربية ام البنين –ع-، لا يهابون الفرسان، كلما ضعف احداهم ذكره الاخر بوصيتكِ، حتى جادوا بدمائهم واحداً واحد، أماه زأر لهم أبا عبد الله عضباناً ليأخذ بثأرهم، أماه قَبَلَهم جميعهم.
بدأ ينعى نفسه! أماه وانا أحاول أن أصل بالقربة الى مخيم الأطفال سقطت يداي، وراح القربة ماءها، سَقَطتٌ من أعلى جوادي على الأرض دون ان استقبلها! أما سهم أصاب عيني، كي لا أرى الخيام وأشاهد زينب –ع-وهي تنتظرني، أماه أماه أماه وانا بهذه الحالة، جاءني أبا عبد الله وقد إنكسر ضهره وقلت حيلته، سألته هل وفيت يا سيدي؟ عندها نادي أبا الفضل: اطمئني سيدتي فقد طبقت ما اشرتِ اليه بكل مضامينه، وها أنا على الثرى.
انه الايثار، انه الفداء بكل معانيه، انها التضحية، بكل كبرياء قدم أبا الفضل نفسه فداءٌ للدين في وقت قل فيه الناصر والمعين، ليطرز لوحة إقدامٍ خَلَدَها التاريخ وإنصاع لها العدو والصديق، هكذا هم قادتنا وهذا هو إرثنا.
خلاصة القول: ألا تعتقدون ان الدين بحاجة الى شخص يستلهم من أبا الفضل كل مفاصل حياته؟ لينشرها في زمن قل فيه الناصر والمعين لدين الله، الذي يعاني من الضياع! لماذا نملك هذا الإرث ولا نطبقه؟ لماذا لدينا هذا التاريخ ونحن نعاني عدم الثقة؟ فليكن كل منا عباس في زمن قتل فيه الحسين مجدداً.
سلام.