إن ما يجعل التصحيح المعرفي أصعب، أن تجد الجاهل أوثق بجهله من العالم بعلمه، وهذا ما يجعلك أمام مسؤوليتين أحدهما أصعب من الأخرى، مسؤوليتك إتجاه تصحيح المسار المنحرف، ومسؤوليتك إتجاه تحجيم الجهل في المجتمع، إن لم تستطع القضاء عليه، وأقل ما في ذلك تحتاج الى المقبولية وقوة الدليل والمعجزة، ولأن زمن المعجزة ولى مع الانبياء، بقي قوة الدليل والمقبولية، وهذا ما يمتلكه (الخُطباء) ولكن أغلبهم ركز على شخصيات عاشوراء، وزهد بالثورة وكيفية التعامل معها.
شغلني سبر أُغوار بعض المصطلحات، التي يتدولها المجتمع، ومنها ( الإقتداء والتأسي) لما لهما إرتباط وثيق بثورة الحسين، وكيفية التعامل معها من قبل جُهال المسلمين، حتى صارت البدعة والخرافات تعلق على شماعة التأسي والاقتداء! وراح رهط من المجتمع يهرول على النار والزجاج! ومنهم من يفترش الجمر محراباً للصلاة! ومنهم من يخرج أصوات كألكلاب! ومنهم من يضرب نفسه بالخف! تعبيراً عن التأسي بأهل البيت والإقتداء بهم، في كيفية إحتواء فاجعة الحسين بكربلاء.
مشكلة حقيقة، لدى بعض أتباع أهل البيت، تنشأ من سوء فهم المصطلحين فمنهم من يجمعهما على طاولة واحدة بنفس التعريف، ومنهم من لا يفهم كيفية توضيفهما، وسنورد خلال المقال تعريفاً وتوضيح لكليهما:
1- الإقتداء:- أعم من التأسي، وهو تعامل معنوي بما يصدر عن الفرد من( جَمائل)، أي تعامل مع التصرفات لا مع الشخص، وأختص بالإقتداء الرسول محمد بقوله تعالى (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) ولأن الرسول أفضل من عامة الانبياء فهو لا يقتدي بأشخاصهم بل بما صدر عنهم، ومثالها أن يتحمل الرسول مسؤولية الرسالة، كما تحمل إبراهيم عندما أُمر بذبح إسماعيل، أو ألقي بالنار، وهذا لا يعني أن يذبح الرسول ولده، أو يلقي نفسه بالنار.
2- التأسي:- وينشأ في حالة محددة، ويحدد بوقت معين، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَومَ الْآخِرَ)، فهنا الرجاء لله هو من حدد مناسبة التأسي، وهي تعامل مع الأشخاص ومع ما صدر منهم، ويخطأ من يجعلهما مبرر لفتوى الإيجاز بإختلاق البدعة، ومثاله من أصابته مصيبة بفقد ولده أو عزيز عليه، فليتأسى بصبر الحسين على ذلك، ولا يعني أن يقدم بقية ولده للذبح، أو يحرمهم الماء، بحجة ما جرى على الحسين.
نفهم من ذلك بأن المصطلحان، هما إستدراج أنفسنا للقدوة أو الإسوة، وليس إستدعاءهم إلينا بأفعال أبسط ما يقال عنها “البدعة”، الحسين لا يريد جسد ملطخ بالدماء، بقدر ما يريد مُصلٍ مبلل بماء الوضوء كل وقت، ولا يريد طعاماً بإسمه يملأ أكراش الأغنياء، بقدر ما يشبع بطون الفقراء، فلابد أن يقاس التأسي والإقتداء بما كان يفعله أهل البيت، وليس في إستنتاج بدعة لا مبرر لها، وتضر بالمذهب ولا تنفعه.