يعمد بعض المجرمين الى التغطية على جرائم القتل التي يرتكبونها بحرق الجثث بهدف اخفاء معالمها لكن النتيجة غالبا لاتكون في صالح المجرمين فتنكشف جرائمهم ..
في العراق باتت الحرائق وسيلة سهلة للتغطية على ملامح الفساد بعد ان تكررت بشكل ملفت للانظار فصار الشك يقينا والاحتمالات حقيقة واقعة ..لذا وقبل ان يتهمنا البعض بالايمان بنظرية المؤامرة والبحث عن طبول اعلامية جديدة والتمرد على الاقتناع بالسبب الدائم ( التماس الكهربائي) سنذكركم ببعض من تلك الحرائق ، ففي عام 2007 ، التهم حريق كبير مبنى الوثائق والملفات في وزارة النفط وكانت الملفات تضم اهم تفاصيل عمل وزارة النفط والواردات النفطية ..وفي عام 2008 ، شب حريق آخر في مبنى وزارة التجارة وفي القسم الذي يحوي العقود الخاصة بالبطاقة التموينية ، ولن ننسى ايضا الحريق الذي شب بعد ذلك في مكتب المفتش العام في وزارة الداخلية والذي كان يحوي اهم ملفات الوزارة لعام 2014 ، ثم الحريق الذي التهم غرفة العقود في وزارة الصناعة عام 2015 …كما تخلل تلك الفترات عدة حرائق لمجمعات تجارية ضخمة بدءا من الشورجة ثم الكرادة وغيرها ..وحين طالت الحرائق المستشفيات وحولت الاطفال الى جثث متفحمة فقد اختارت –وياللمصادفة – الحجرات الخاصة بحفظ الملفات ايضا …
مؤخرا ، اعلنت مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي ان الشعب العراقي من بين اكثر عشرة شعوب عاطفية في العالم ، لذايمكنه ان يصدق بطيبته وعاطفته المتناهية ان تلك الحرائق حدثت بسبب تماس كهربائي كما تقول التصريحات الحكومية دائما ، وقد ساعدت ظروف موجة الحر في الصيف المشرف على الانتهاء على تصديق تلك التصريحات ، لكن تعاقب الحرائق
في مختلف الفصول والمواسم وفي البرد والحر يجب ان يحرك مؤشر الشك في نفوسنا ويضع طيبتنا وعاطفتنا جانبا الى حين لنفكرمليا في مسببات تلك الحوادث التي حدثت بالتأكيد بفعل فاعل ولماذا يتسابق ( مشعلو الحرائق ) على افتعالها ، وبدلا من تصديق التصريحات الحكومية بأن اغلب الدوائر والمؤسسات والبنايات تفتقر الى معايير السلامة كما يقول عضو اللجنة الامنية في مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي ، علينا ان نشدد على اجراء تحقيقات بشأن اسباب الحرائق للوصول الى حل لغز اختيار تلك الطوابق التي تحوي على غرف الملفات والوثائق الخطيرة ، وبدلا ايضا من المطالبة ببناء سلالم انقاذ في البنايات التي تفتقر الى مخرج ،علينا ان نطالب الحكومة بايجاد مخرج معقول من ظاهرة الحرائق التي تحولت الى ازمة مؤخرا لأنها وسيلة مكشوفة وغبية لاخفاء آثار الفساد ومتعلقات الفاسدين في المؤسسات الحكومية ِ..
يجب ألا يفرحنا المركز المتقدم الذي حصلنا عليه في سلم العاطفة ،فقد تضع العاطفة غشاوة على العقل وتبعده عن استنتاج الحقائق “والعقل لايكون عقلا الا اذا كان نقديا “–كما يقول المفكر جورج طرابيشي – لذا يحتاج الأمر منا وقفة تفكير وتأمل لنفهم ان بلدنا ليس حرا بل اسيرا بيد السارقين والفاسدين واننا جزء من تمثيلية هابطة يمارس فيها المسؤولون مهمة التمثيل ونمارس فيها مهمة التفرج ..فهل سنظل متفرجين نتفاعل بعاطفتنا المعهودة مع الاحداث ونبكي حزنا على ضحايا (مشعلي الحرائق) ؟!….