17 نوفمبر، 2024 8:36 م
Search
Close this search box.

خارج نطاق التسعيرة

خارج نطاق التسعيرة

في دول العالم، بإستثناء العراق، الرأسمالية منها، وما تبقى من نظم إشتراكية أو شبه إشتراكية، أو رجل هنا ورجل هناك، ترتفع أسعار السلع والخدمات فيها بنسب محددة قد تصل الى عشرة في المائة سنوياً، يقابلها زيادة في الرواتب والأجور والمكافآت التي يتقاضاها الموظفون بنسب مماثلة تقريباً، ويبدو ان الإستقلالية التي تنغز ضمائر أصحاب القرار، والإعتداد بالموقف السيادي، وخصوصية التجربة العراقية لاتنجلي الا في هذا الجانب فقط، وتبرز قدراتنا على التحدي والسبح في مواجهة التيار، غير المسلح نقصد، في هذه المعادلة، الى أبعد مستوى، وهو تخفيض الرواتب مع بقاء الأسعار على حالها، بل أكثر من ذلك أن تنفلت أسعار السلع والخدمات، فيما تفرض الإستقطاعات على الرواتب، وفي جميع الأحوال على أصحاب الدخول المحدودة، أن ينظموا شؤون حياتهم، بالكيفية التي تعجز فيه أية ميزانية تقشفية عن تلبية الحاجات الأساسية فضلاً على التنازل عن الحاجات الأقل حاجة للإشباع وليس الكمالية منها، على قاعدة معالجة الغلاء بالإستغناء، “وكل واحد يمد رجله على كد الحافه”.
التطمينات التي كانت تسوقها الحكومة لمواجهة الأزمة المالية من خلال برامج غير معلنة، بدت أوهن من بيت العنكبوت، إذ انحسرت بسلسلة من الإجراءات التقشفية، والإستقطاعات، وفرض رسوم وضرائب، الى جانب التلويح بفرض إجازات لمدة خمس سنوات براتب إسمي فقط، وهذا كله ينعكس أساساً على الواقع المعيشي للمواطنين من أصحاب الدخول المحدودة والمعدودة والمعدومة، في حين تشهد البلاد تضخماً في الأسعار، وتدهوراً في العملة الوطنية.
في الدول النامية، والنائمة، تسعى الحكومات عند الأزمات الى تحديد الأسعار وتحييدها، من خلال قوانين تسعر بموجبها المواد والسلع والخدمات، وتفرض إجراءات رقابية لتنفيذها، الى جانب دخولها في السوق لتوفير السلع الأساسية بأسعار مدعومة، سواء عن طريق البطاقة التموينية، أو البيع المباشر من خلال مراكزها التسويقية، وأي من هذه الإجراءات تبدو مستحيلة في عراق اليوم، بسبب الفساد، وضعف القرار، وبالتالي تبقى المحاولات الحكومية لمواجهة أية أزمة مالية منصبة على المواطن، والرهان الخاسر على تعافي أسعار النفط.
كذلك الحديث عن حالة الترهل في المؤسسة الحكومية التي اكتشفته فجأة، لايعفي الحكومة من مسؤوليتها في معالجة مشكلة البطالة، ولاسيما أنها لم تستثمر موازناتها الإنفجارية في مشاريع تستوعب الأعداد الكبيرة من الأيدي العاملة، والملاكات العلمية للنهوض بالإقتصاد الوطني والخروج من الأفق الضيق للإقتصاد الريعي، الى جانب عدم النهوض بالقطاع الخاص وسن قوانين تحفظ حقوق العاملين فيه، على وفق نظام اقتصاد السوق، وترك السياسة الإقتصادية ترسم نفسها بنفسها إعتماداً على الإرتفاع غير الحقيقي الذي شهدته أسعار النفط في السنوات الماضية، وكانت النتيجة إنهيار البنية الإقتصادية مع أول هزة ، والركون الى إجراءات ترقيعية للحد من اعلان حالة الإفلاس.
لاخيار كما يبدو أمامنا في ظل التخبط السياسي والإقتصادي، سوى أن نخضع للقروض الدولية، من دون ان نكتشف سر اختفاء مئات المليارات من الدولارات في صفقات فساد، فيما سيتحمل المواطن تبعات كل شيء. 

أحدث المقالات