في آخرِ زيارةٍ لي الى شقيقتنا العزيزة ” مصر العربية ” , كنتُ في حينها عائداً من ” الجيزة ” الى – سنتر – القاهرة , وكان سائق سيارة الأجرة كثير الكلام واقرب نسبياً الى” الحلاّق الثرثار ” الذي قرأنا عنه في المدارس الأبتدائية , بالرغم انه كان شديد الطيبة والوطنية في جانبها القومي ايضا , وما ازعجني فيه هو اضطراري لمجاملته في التوقّف عدة مراتٍ عن تصفحّي لإحدى الجرائد المصرية .
وما أن وصلنا الى مشارف القاهرة حتّى ارتفعت حرارة صوتهِ بحماس , ليقول لي : هذه ” قلعة القائد العربي صلاح الدين الأيوبي الشامخة ” , قاطعته على الفور ورميتُ الصحيفة الى المقعد الخلفي للسيارة واوضحتُ له ما يلي : –
إنّ ” صلاح الدين الأيوبي ” ليس عربياً , وهو كرديّ الجذر , وهو عراقيّ ومن مواليد محافظة ” تكريت ” والتي تغيّرت تسميتها على أسمه , إنبهرَ سائق التاكسي للحظات , ثمّ قال : لكنه كان يقاتل ويقود المعركة ضدّ الصليبيين تحت الراية العربية والأسلامية , فأكّدتُ له أنّ كلامه صائباً 100 % 100 فلمْ تكن آنذاك ما تسمّى بالقضية الكردية ولم توجد بيشمركة ولا اقليم ولا هم يحزنون .! , وأضِفتُ : أنّ شهرة هذا القائد لم تنبثق فقط من تفوّقه على جيوش الأفرنجة , فأنه – اوّلاً – يُلقّب بالناصر صلاح الدين والدنيا , وهو ايضا ” القائد المؤسّس ” للدولة الأيوبيّة التي وحّدَ فيها < مصر , الشام , العراق , الحجاز , تُهامه و اليمن > في ظلّ الراية العباسية , ثمّ قلت للسائق المصري : وإنّ قائدنا العراقي المرحوم صلاح الدين لم يكتفِ ببناء قلعته الحصينة في القاهرة فقط , فله قلعتين أخريتين في سوريا والأردن ايضاً , وقلتُ له : دعني اضيف لك من الشِعرِ بيتاً او ابياتاً أنّ القائد الراحل كان يقود معاركه بجيشٍ يقلّ عشرات الأضعاف عن جيوش خصومه من الأفرنجة وملوك اوربا , حيث كانت خططه الحربية تعتمد على فنّ المناورة والإحاطة والألتفاف على العدو بالأضافة الى تركيزه على العامل الديني في نفوس المقاتلين , وقد ذاع صيته عالمياً في طبيعته الأنسانية ومديات تسامحه مع الآلف المؤلفة من اسرى جيوش اوربا وكذلك لقواتهم المحاصرة , واضفت : دام حكم القائد العراقي ” الناصر صلاح الدين ” لمدة 24 سنة , وقال مقولته الشهيرة : < سيشهد لي سيفي في الآخرة بِ 16 عاماً في الجهاد في سبيل الله > , فأنبهر صاحبي ” السَوّاق ” من التفاصيل الموجزة لما ذكرته له , وقالَ مقولةً ستراتيجية ! : – من المفروض أنّ كلّ مبالغ و رسوم الدخول الى هذه القلعة ينبغي تحويلها الى الحكومة العراقية لإنها صاحبة الشأن التأريخي في هذه القلعة .!
إبتسمتُ و قهقهتُ و شكرتهُ على كلماته واضفتْ : الحكومة العراقية لا تطرأ لها مثل هذه الأفكار ” ولا اريد التوسع في الحديث عن موقفها تجاه الناصر صلاح الدين ! ” , وقلتُ له ايضاً : < لعلّكَ ستفتح لنا ولكم باباً جديدا , إذ من المحتمل أن يطالب كاكا مسعود البرزاني بهذه المبالغ ! وقد يتنافس عليها مام جلال وحركة التغيير ” انو شيروان ” والأخرون الكرد الأسلاميون > وبالتالي قد تقع مشادة بين مصر والأقليم , والأمة العربية ليست ناقصة للأزمات .!