على الرغم من الكثير من المفردات السياسية الواقعية التي ادرجها الفيلسوف والمفكر السياسي الايطالي (نيكولو دي برناردو دي ميكافيللي) في كتابه الشهير والموسوم بـ (الأمير) ، الا إن القاعدة الأكثر شيوعاً وانتشاراً في مساحة العمل السياسي هي عبارة (الغاية تبرر الوسيلة) ، والتي كانت وما زالت موضع نقاش بين الاثبات والنقض ، او بين القبول والرفض .
ولأن ميكافيللي عاش في فلورنسا الايطالية إبان عصر النهضة في اوربا ، ولأنه توفي عام (١٥٢٨) ، فقد بدأ المتدينون المسلمون (المتأخرون) بتناول كتابه (الامير) برؤى دينية ، ليجعلوا من النظرة التطابقية وسيلة لنقد مقولته (الغاية تبرر الوسيلة) ، دون الرجوع الى الحوادث التأريخية ضمن الموروث الاسلامي ، والتي من شأنها ان تدعم هذه المقولة .
لقد ذهب الكثير من الاسلاميين والاسلامويين الى تخطئة عبارة ميكافيللي ، معتبرين اياها نوعاً من انواع المخالفة للاسلام ، معززين ارائهم بأن (الغاية) و (الوسيلة) هما من جنس واحد ، وان الغايات السامية لا تتحقق بالوسائل الهابطة ، وان الوسائل الهابطة لا يمكن ان توصل الى غايات سامية .
لقد اغفل هؤلاء كثيراً من الحوادث ضمن موروثنا الاسلامي الذي سبق ميكافيللي بمئات السنين ، والذي يعزز من هذه المقولة (القاعدة) ، ويجعلها ضمن حيز التطبيق المقبول (شرعاً وقانوناً واخلاقاً) .
فمن المعروف بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قد جعل (اسامة بن زيد) على رأس السرية التي جهزها للمسير الى الشام ، بالرغم من وجود من هم أسن وأكفأ واجدر بالقيادة من اسامة ، وذلك لوجود غاية (سامية) بررت للنبي (صلى الله عليه واله) تجاوز الكفاءات والاعمار والمؤهلات ، وسوغت له إمرة اسامة على الجيش .
وثمة موضوعة اخرى تدل على قبول قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) لدى الموروث الاسلامي ، تكمن في موضوع (المؤلفة قلوبهم) ، الذين دخلوا الاسلام عنوة او بغير قناعة ، والذين اراد الرسول (صلى الله عليه وآله) ان يقمع مؤامراتهم وحقدهم على الاسلام ، ففرض لهم (عطاء) من بيت مال المسلمين ، واقتطع جزءً من استحقاقات المسلمين ليدفعها لهؤلاء المؤلفة قلوبهم .
ان اتفاق اغلب الفقهاء المسلمين على شرعنة (قتل المدنيين) حين (يتمترس) بهم الاعداء ، تمثل اوضح صور الميكافيللية ، في الماضي والحاضر .
لقد استحدث فقهاء المسلمين مصطلحاً جديداً (غامضاً عائماً مطاطياً) اسمه مصطلح (المصلحة) ، والذي يمكن لهم من خلاله تبرير قبولهم او رفضهم لما يطابق او يخالف امزجتهم ، والذي يستطيعون من خلاله قمع تطلعات الاخرين وطموحاتهم .
ولان المصلحة مطاطية ، فهي تارة تكون على شكل (مصلحة الامة) او (مصلحة الدين) او (مصلحة المذهب) او (مصلحة الطائفة) او … او …. الخ .
ان القوانين التي تصدرها الدول لا تخلو من الميكافيللية ، فهي وان كانت (غايتها) تحقيق مصلحة المجتمع ، ولكنها بنفس الوقت (تضر) بمصالح مجموعة من الافراد ، كأن تعبد شارعاً لخدمة المجتمع ، وتحقيق المصلحة العامة ، فتضطر لهدم مساكن او اتلاف مزارع لافراد اخرين .
وعلى كل حال ، فقاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) ليست مرفوضة تماماً ضمن اطر العمل السياسي والمجتمعي الواقعي ، وان ادعى البعض انهم ضد منطوقها .