يبدو أن الدبلوماسية التي كان يتمتع بها وزير الخارجية السابق وحنكته في إدارة الازمات الخارجية لم تشفع له وسقط في اول اختبار داخلي تحت قبة البرلمان , عندما لم يقنع أعضاء مجلس النواب في إجاباته على اسئلة المستجوب النائب هيثم الجبوري الذي كان يبدو اكثر ثقة وتفائلاً في قدرته وقناعته بأنه يملك من الأدلة والوثائق ما تثبت تورط وفشل الوزير في ملفات فساد او فشل في ادارته لوزارة المالية .
وبعد رحلة مع الترقب والانتظار والتكشيك في كيفية انتهاء سيناريو الاطاحة او سحب الثقة من عدمها مع وزير كان يعتبر من اركان العملية السياسية بعد 2003 ومنظريها ومن صقور التحالف الكردستاني , جاءت النتائج الغير متوقعة مع اكثر الناس تشاؤماً في عدم قدرة مجلس النواب من سحب الثقة عن وزير المالية لاسباب كثيرة قد نأتي على ذكرها لاحقاً , لكن ما نستطيع ان نقوله ان ما جرى اليوم بغض النظر عن كل ما أحيط من تشكيك اذا ما توفرت الارادة الحقيقية والممارسة الديمقراطية والمهنية ومحاسبة المقصر والمفسد وممن اغتنى او استخدم منصبه لاغراض خاصة اياً كان عناونه ومركزه بأننا وضعنا اول خطوة امام الاصلاح الحقيقي لعملية كانت وما زالت عرجاء في كل مقاييسها .
لكن نعود الى الاسباب الحقيقة التي اطاحت برأس وزير بحجم وثقل هوشيار زيباري مع كتلة سياسية كنا الى قبل يوم من سحب الثقة نعتقد انها سوف تمارس كل انواع الضغط والتوافقات والتنازلات مع الشركاء الباقين من اجل الحفاظ على ماء وجه التحالف الكردستاني او على الاقل الحزب الديمقراطي الذي ينتمي اليه زيباري , لكن السبب او القشة التي قصمت ظهر البعير هو الانشقاق داخل التحالف الكردستاني نفسه جاء اولاً , ومثلما كان اتحاد القوى او العرب السنة سبباً في الاطاحة بوزيري الدفاع العبيدي في تشتتهم وانشقاقهم , لعبت الخلافات داخل البيت الكردي ذات المسببات ان لم نقل كانت العامل الابرز , فالخلافات الكبيرة والقطيعة المستمرة بين الاتحاد الكردستاني والتغيير من جهة والحزب الديمقراطي برئاسة مسعود البارازاني من جهة اخرى , مع الاتحاد وكتلة التغيير والتحالف الوطني وخاصة دولة القانون المعروفة خلافاتها مع رئاسة الاقليم وكذلك إتهامها بانها وراء تحريك جبهة الاصلاح , كل ذلك كان واضحاً في عدم تمسك الاكراد بالدفاع عن هوشيار الذي يبدو هو الاخر راح ضحية الخلافات الكردية الكردية التي يبدو ان 28 نائباً وهم يمثلون الاتحاد والتغيير هم مع سحب الثقة وهنا تخلخل البيت الكردي تماماً , من جهة اخرى فإن اقالة وزير الدفاع العبيدي كانت دافعاً مهماً وقوياً امام استمرار النواب في ممارسة عمليات الاستجواب او كما يتهمون بالتسقيط الشخصي والانتقام من الشركاء الذين يختلفون معهم , واخرون ذهبوا الى ابعد من ذلك في اتهامهم بمحاولتهم اسقاط العملية السياسية وبالتالي تضاف وزارة المالية الى الوزارت الشاغرة وقد تكون تنبؤاتهم اصبحت واقع حال .
ما اكد لنا كمراقبين ان وزير المالية أصبح في خبر كان وان موقفه ضعيفاً في الدفاع عن نفسه , هي تلك ردة الفعل التي خرج بها على الإعلام بطريقة أقل ما يقال عنها هستيرية وبالتالي وقع بذات المطب سلفه العبيدي في عدم إشهار ما بجعبته من مستمسكات وأدلة على النواب , السبب الاخر والأهم هو كيفية استمرار مجلس النواب في استجواب بقية الاسماء التي تم الافصاح عنها ومنها رئيس الوزراء العبادي وكذلك تم التلميح عن جمع تواقيع لفتح ملف رئيس البرلمان مرة اخرى إضافة الى وزير التربية والصحة وليس اخيراً وزير الخارجية ابراهيم الجعفري , اذن نحن امام مشوار طويل من الحرب المستعرة بين حقيقة الدور الرقابي الذي يدعيه البرلمانيون ونظرية المؤامرة التي يتم حياكتها في إسقاط حكومة العبادي تحت عبائة وذريعة ممارسة الدور الرقابي ومحاسبة المفسدين ممن يرى عكس ذلك .