30 أكتوبر، 2024 8:24 م
Search
Close this search box.

وهم الحرية

وهم الحرية

على مر القرون التي عاشها الإنسان كانت الحرية الشاغل لأحاديث الناس والهم الكبير الذي يبحث عنه البشر اينما حلوا ، لكن دعونا نتكلم عن البعض من الحريات المفقودة دون أن نعي إنها كل ما نملك في هذا الكون ونبقى نلهث خلف القشور تاركين اللب وأغلب من يركض خلفها هم المثقفون والكتاب والأساتذة ، إذ يعتقد هؤلاء إن الحرية في متناول اليد ولكنهم لا يعلمون إن أغلب هذه الحريات هي مفروضة على الإنسان في هذا الكون وعلى سبيل المثال ، فالإنسان يولد بوقت لا يستطيع أن يتدخل به ويولد من أبوين لا يستطيع أن يتدخل في رفضهما أو قبولهما وفي زمان ومكان ودولة ومستوى معاشي ومستوى علمي ناهيك عن الظروف التي يعيشها وهو صغير في بيئة يضطر مجبرا أن يقبل بها لانه لا يستطيع تغيرها ، وحتى في وقت ومكان وفاته ليس له الحرية في أن يختار وفاته بالطريقة التي يراها تتناسب مع ما يرغب ، حتى شكل وجنس الأطفال وعددهم لا يستطيع أن يتحكم به الإنسان وربما في أغلب الأحيان لا يستطيع أن يفرض الأسماء التي يراها تعجبه بسبب تدخل الأهل والأقرباء في تسمية الأبناء ، وكل هذه الامور هي خارج عن إرادة الإنسان وتعني خارجة عن حريته ، فالحرية هي مجرد كلام عابر نتمشدق به ونتمسك به دون أن نعي إن أغلب مجريات حياة البشر هي ليس بحريته، وحتى في طريقة عيش هذا الإنسان في هذه الدولة البوليسية أو في تلك الدولة المتقدمة ايضا هي ليست برغبته ولكن جاءت حسب الأقدار وليست حسب الرغبة الإنسانية الفردية ، فهو يعتقد واهماً أنه يعيش تلك الحرية ولكنه بحقيقة الامر يعيش في سراب هذه الحرية ، أين هي الحرية ونحن لا نستطيع ان نختار الدين الذي نراه مناسبا لتفكيرنا ، أين هي الحرية ونحن نذهب مجبرون لصناديق الإقتراع نختار أحد الفاشلين دون أن يكون لنا دور في هذه المسرحية التي تسمى جزافا بالديمقراطية ، يقولون أن الديقراطية هي ترجمة للحريات ، كيف نترجم تلك الحرية ونحن مجبرون أن نختار أحد الفاشلين ونحن نعلم مسبقا إنهم فاشلون ولكن لا مناص من إختيارنا لأحدهم ثم نعود ونصفق للفائز ونحن نعلم أنه فاشل ، كيف تكون الحرية خيار ونحن لا نعرف نهايتنا كيف ستكون ، أين هي الحرية ، هل الحرية في أن نختار أثاث المنزل أو نوع العربة التي نملكها أو نوع ربطة العنق ، هل هذه الحرية ، إنها ضحك على الذقون ، ضحك على الذقون ونحن من يضحك على بعضنا البعض ومثقفينا يجلسون ساعات طوال في ترسيخ هذا الوهم وخاتمة قولهم إنهم يسعون لها ، هل يستيطع أحد منا تغير الأقدار ، هل الأقدار هي الحرية أم إنها شموليات مفروضة على بني البشر ، هل إن قدري أن أكون عراقيا نوع من الحرية أم إنها قدر فرض على الأنسان ، هل إني مسلم نوع من الحرية أم إني وجدت أهلي على هذا الدين ، هل أسمي وكنيتي نتيجة لحريتي أم إنها جاءت رغما عني حتى وإن كان هذا الأسم جميل في رأي البعض ، لا أفهم ماهي الحرية وأنا لا أستطيع حتى من التحكم بابسط مقدراتي ، إنها وهم مفروض لا قيمة له ، إلا يكون على حق سارتر فيلسوف الوجودية حين قال ” إن حب الآخرين هي سلب للحريات ” الحب ايضا يدخل في فلك الحريات فأنا لا أحب فلان وهو يحبني وغيره يحبني وأنا لا أحبه ، وهنا وجب القول إن في كل الأحوال هناك حرية مفروضة على الإنسان وهي حرية من يحبنا ومن نحبه ، الذي نحبه ولا يحبا فنحن بمثابة مصادرون لحريته ، والذي يحبنا ونحن لا نحبه فنحن بمثابة مستلبون لحريته ،
إنها وهم ولا حقيقة لها ، فالحرية كالغيبات نتكلم بها دون أن تكون ملموسة وسيبقى الإنسان جاهلا لهذا الحق وذاك الغيب. 

أحدث المقالات

أحدث المقالات