التعايشُ هو مرادفُ التساهل والتسامح والاستعداد النفسي والمعنوي والمادي لتقبّل الآخر.
أمّا ما يجبرنا على التعايش فهي العلاقة وهو المصلحة وهو الاهتمام وهو الحرص وهو الدافع للبناء والتقدم وهو الهدف الأعلى المشترك وهو السعادة والخير للجميع.
ما يجبرنا عليها هو كلّ هذا وإن لم يكنْ مرادفا دائما للراحة التي اعتدنا عليها أو الحرية التي نعمنا بها دائما أو الرفاهية التي نشأنا في أحضانها.
فالتعايش إذن هو الاستعداد للتنازل عن بعض ما اعتدنا عليه وما نتمناه من أجل علاقة جيدة جديدة نبتغي إقامتها ونطمح إلى إدامتها.
وأبسط صور التعايش هو الزواج
فالرجلُ من كوكب والمرأة من كوكب آخر.
صحيحٌ أنّهما من بلدٍ واحد ويتكلمان لغة واحدة وقد ينتميان إلى أسرة واحدة أو يعيشان في عمارة واحدة، لكنّه من كوكب وهي من آخر.
وصحيحٌ أنّ المعرفة قديمة والتعارف مفروغ منه وما عاد أيّ منهما يجهل عادات الآخر وما يرغبُ فيه وما يكرهه، بل لقد درسَ حركات كلّ فرد من أفراد عائلته وسكناته. لكن يبقى كلّ منهما عالما قائما بذاته، كوكبا يدور في مداره، قمرا يدور حول شمسه.
فإن لم يقترب هذا من هذه، أو هذه من ذاك فلا تعايش ولا تفاهم ولا انسجام.
زوجان هما نعم، لكنّهما على غير وئام.
يعيشان في البيت نفسه وفي الحجرة ذاتها، لكنّهما لا يتعايشان.
لا بدّ من التنازل والاقتراب من حدود الآخر وسقفه.
ولا بدّ لتلك الحدود وهذا السقف من مرونة لكي يستطيع الآخر أن يبلغها. وإلا فلا.
لا المرأة جارية ولا الرجل سيّد.
ولا المرأة ملكة ولا هو عبد.
هما زوجان. ذكر وأنثى
طائفتان
قوميتان
عشيرتان
هما وطنٌ واحد
ولا بدّ من التعايش.
إنْ لم يكن على أساس الحب فمن أجل المصلحة.
وإن لم تكن المصلحة فمن أجل الروابط بين الطوائف والقوميات والعشائر. ومن أجل وحدة الوطن الذي عاشوا وتعايشوا على ترابه منذ آلاف السنين.
وهل بين الأوربيين روابط أكثر مما بين السنة والشيعة أو بين العرب والأكراد والتركمان؟
ما بين الأوربيين هو ما بين الزوج وزوجه.
أو ما بين أيّ طرفين راغبين في علاقة قائمة على المصالح والأهداف والتقدم والخير للجميع.
هو ما بين شريكين يعملان لتطوير الشركة وترويج بضاعتها وتوفير فرص العمل وكسب المال للعاملين فيها.
وفي كلّ الحالات التي ذكرنا تعايشٌ أساسه التفاهمُ والتنازل والتفاوض غير المجحف ولا المذل.
لكنّ ما يجعل الحالة السياسية التي نعيشها مختلفة عن الحالات السياسية التي يعيشها العالم وعن الحالات الاجتماعية التي نعرفها، هو أنّ القائمين على سلمنا المدني وعلى تعايشنا يريدون لنا تعايشا مبنيا على القهر وكسر الأنوف وليّ الأذرع.
يريدون تعايشا من باب ” بيت الطاعة ” و ” النشوز ” و ” الحجر ” و ” التهميش ” و ” الهجر في المضاجع ” و ” الضرب ” و ” قطع مصروف البيت “.
وأيّة حرة كريمة تقبل عن طيب خاطر بهذا الذل؟
وأيّ رجل ذو مروءة ورجولة يرتضى لنفسه أن يغتصبَ زوجته ويكرهها على ما لا تريد؟
وأيّ طرف من الأطراف يرتضي لشريكه في العمل أو الوطن أو البيت أن يظلّ مبتسما بما قسم هو له من قسمة ضيزى؟