السياسة تعكس الحالة الثقافية والحضارية للمجتمع ، ولايمكن ان تكون غير ذلك، فان كانت ثقافة المجتمع تنزع الى الانغلاق والبداوة و كما هو حال العراقيين، فسياسته تكون ميالة الى العنف والقمع وفرض الارادات بالقوة، وهكذا كانت سياسة الدولة العراقية في كل مراحلها التاريخية، ووصلت الى اوج قسوتها وشدتها في فترة الانقلابات العسكرية واستلام ضباط الجيش الحكم عن طريق الدبابات ، واما اذا كانت ثقافة المجتمع مشبعة بروح المعاصرة والتحضر والتطور والانفتاح على الاخرين كالمجتمعات الغربية وتبلورت نتيجة لانتخابات الديمقراطية وصناديق الاقتراع، فانها تكرس سياسة مستقرة ومتطورة ومجتمع متعافي ومنفتح على الحريات، يحترم فيها الانسان وتعالج مشاكله عن طريق الحوار الهاديء والمصالح المشتركة لا عن طريق القوة والبطش.
وقد حاول الكثير من رجال الدولة في العهد الملكي ان يرتقوا بالثقافة العامة للعراقيين الى مستوى الحضارة العالمية ومبادئها حول الديمقراطية والعدل والمساواة وحقوق الانسان ، وبدأوا بتشكيل دولة القانون والمؤسسات وفصل السلطات ، وابعاد الجيش عن الحكم، وكادت ان تترسخ هذه المفاهيم المدنية المتطورة لتصبح تقليدا سائدا في العراق ، ولكن الارث الثقافي المجتمعي العام”البدوي”و تراكماته التاريخية حال دون حدوث التغيير المنشود، وظل العراقيون اسرى للفكر السياسي المتطرف الذي يهدم ولا يبني، ويأزم ولا يحل ، فكان انقلاب الرابع عشر من تموز الذي قاده(عبدالكريم قاسم) عام 1958على (الملك) اكبر ارتداد على الشرعية والمدنية وبناة الحضارة، ومنذ ذلك اليوم والعراق يعود القهقري ويتلاشى دوره الحضاري، حتى وصل الان الى حالة من التفكك والتفسخ، منذرة بتقسيمه الى دويلات بعد صراع طائفي مرير، ذهب خلاله مئات الالاف ضحية العنف المتبادل بين السنة والشيعة، بعد ان ظن الكثيرون ومن بينهم الامريكيون بان العراق بعد 2003 سيتحول الى واحة ديمقراطية في المنطقة ويبدأ حياة جديدة، ولكنهم كانوا خاطئين ، فالانقسامات الطائفية والعرقية بين مكوناته برزت اكثر ، والاوضاع الامنية تدهورت بصورة لم يسبق لها مثيل، وازداد ارهاب الدولة بحق المواطنين، وتفشى الفساد والقتل على الهوية واتسعت الهوة بين مكونات الشعب الاساسية وخاصة بعد تولي”نوري المالكي”الحكم لولايتين ، حيث تحول العراق فيها الى دولة مسيرة وتابعة لاجندات الدول المجاورة، وكبل بقيود واغلال التبعية اكثر عندما تشكلت ميليشيا الحشد الشعبي وتحولت الى قوات طائفية متنقلة في المنطقة رهن الاشارة وتحت التصرف ، ولم تعد تكلف بمهمة القتال في سوريا والعراق بحجة الدفاع عن(مقام السيدة زينب) والمقدسات الشيعية الاخرى فحسب بل”لجلب عوائل عراقية من المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية وإسكانها في مناطق سورية ”بهدف التغيير الديموغرافي كما تناقلتها بعض وسائل الاعلام.. العراق الواحد الموحد في ظل الهيمنة الطائفية والفساد وفرض الامر الواقع بالقوة لامعنى له، سيسقط ويتهاوى و..يموت. عاجلا ام آجلا، انها مسألة وقت ليس الا! – See more at: http://elaph.com/Web/opinion/2016/9/1108749.html#sthash.B6UrypJH.dpuf