23 نوفمبر، 2024 12:21 ص
Search
Close this search box.

لماذا نحتاج الى نظام قبول جامعي جديد في العراق؟

لماذا نحتاج الى نظام قبول جامعي جديد في العراق؟

هناك الكثير من يُعول على ان الجامعات هي ذات الصروح الكبيرة التى تحضى بأمكانيات وقدرات تساعدها على تشكيل ملامح الانسان المتعلم والمتسلح بمهارات وسلوكيات ومعارف ينتفع منها المجتمع. ذلك التعويل هو صحيحاً في أكمل صورة, ولكنه يتوقف على كثيرمن العوامل لعل اهمها نوعية مدخلات تلك الجامعات من الطلبة. ونظراً لأهمية الطلبة من حيث اعتمادهم كأحد المحاور المهمة التي تعكس جودة الجامعات, لم تُعد انظمة القبول الجامعية تهتم بالدرجات التي يتحصل عليها الطلبة في الامتحانات التحصيلية الاكاديمية فقط, بل باتت تهتم بالسمات والصفات الشخصية التي تتطلبها التخصصات والاقسام الدراسية في الجامعات لما لها من أهمية في تشكيل ملامح الطلبة المناسبين لكل تخصص دراسي, وتلك الاهمية ايضاً تؤدي دوراً هاماً ومعقداً في جودة الجامعات . فضلاً عن ذلك, تعدت اهتمامات هذه الانظمة بالتوصيات الي يقدمها المعلمين بشأن أهلية الطلبة في الدخول الى تخصصات معينة. اضف الى ذلك الاهتمام , اهتمام اخر بالاعمال التطوعية التي عمل بها الطلبة في مرحلة ماقبل الجامعة لخدمة المجتمع مع اخذ بعين الاعتبارالمواهب التي يتمتع بها الطلبة. عراقياً, يبدوا الآمر مختلفاً, فمنذ سنين طويلة والجامعات العراقية تعتمد على نظام القبول المركزي المطبق في وزارة التعليم العالي في تحديد نوعية مدخلاتها اعتماداً على الدرجات فقط التي يتحصل عليها الطلبة من الامتحانات العامة (البكالوريا).

أن النظام القبول المركزي المطبق حالياً في وزارة التعليم العالي يعتمد فقط على نتائج الامتحانات النهائية العامة (البكالوريا) مرغماً الكثير من الطلبة على دراسة تخصصات هم غير راغبين فيها اصلاً. ان عدم قناعة الطلبة بدراسة تخصصات التي لم تكن ضمن نطاق الآهمية التي يوليها الطلبة وعوائلهم, سيولد ضرراً نفسياً ينعكس سلباً على النمو الفكري والنفسي والمهاراتي للطلبة طوال مسيرة دراستهم, وسيجعل هدف الطلبة الاوحد هو التخرج من الجامعة بدون النظر الى اهمية ماذا سيتعلمون وكيف سيتعلمون. من جهة ثانية, ان النظام الحالي سيُحمل الاقسام والتدريسيين في الجامعات العراقية اعباء تأخر الطلبة دراسياً نتيجة عدم التوافق الدراسي بين ماهو موجود اصلاً عند الطلبة من قدرات وبين ماهو مطلوب منهم من انجازات. هناك الكثير من الامثلة والشواخص التي تؤكد ان نسبة كبيرة من الطلبة الذين تحصلوا على درجات عالية مكنتهم من دخول كليات الطب والهندسة وغيرهما,هي ليست بسبب استخدام السمات الشخصية المتمثلة بالتفكير الناقد, وحل المشكلات والمهارات المعرفية العليا, وانما يعود لعدة اسباب منها:1) بفعل مساعدة التدريس الخصوصي الذي يوفر الدعم للطلبة لحفظ محتويات المناهج الدراسية (من الغلاف الى الغلاف) والتدرب على الامتحانات النهائية العامة فقط .2) بفعل ان امتحان البكالوريا الحالي لايقيس سوى مهارات الحفظ لدى الطلبة, واستناداً الى ذلك يمكن وصف هذه المرحلة بـ (مرحلة الافراط) اي ان الطلبة يفرطون بالحفظ كثيرا (الحفظ مقدم على الفهم) وذلك من اجل الحصول على المعدل المرتفع . في المسار الآخر من التعليم, عندما ينتقل الطلبة الى الجامعات سيواجهون بيئىة مختلفة تماماً عن مرحلة الاعدادية, حيث لايوجد على سبيل المثال في كليات الطب وكليات الهندسة تدريس خصوصي يمكن ان يساعد الطلبة وهنا قد يجد الطلبة انفسهم في مرحلة التفريط, اي ان الطلبة سيكتفون بأقل الدرجات من اجل النجاح والتخرج بأقل

المعدلات نتيجة لمواجهتهم لمناهج وتخصصات تفوق قدراتهم الذهنية والتي تتطلب مهارات اخرى لم يسبق للطلبة استخدامها في مرحلة الاعدادية. وهذا مايفسر لماذا الكثير من الطلبة خاصةً الذين يدرسون في كليات الطب يختارون دراسة تخصصات اسهل عند وضعهم امام خيارات متعددة عند اختيار التخصص بعد الدراسة العامة في المراحل الاولى.
سوف لن يكون الطلبة هم الضحية الوحيدة لهذا النظام, بل ان النتائج السلبية لهذا النظام ستتحملها الجامعات ايضاً من حيث التأثيرعلى جودة مدخلاتها وعملياتها ومخرجاتها وكذلك سيتحملها التدريسيين الذين سيواجهون صعوبات غير متوقعة من طلبة يعُتبرون هم الافضل في مرحلة الاعدادية . في دراسة اجريتها في عام (2009) حول جودة العملية التعليمية في كليات الطب, اظهر الكثيرمن التدريسيين شكواهم حول نوعية الطلبة الداخلين الى كليات الطب ولاسيما الطلبة المتحصلين على استثناءات (بفعل التدخل الحكومي) في ذلك الوقت, مما سيترك اثراً سلبياً على مستقبل مهنة الطب في العراق.

نظرياً, ان واحدة من اهم اهداف الجامعات هو العمل على تنمية المجتمع اقتصادياً من خلال تدريب وتأهيل الافراد المنخرطين في التعليم من خلال تزويدهم بمهارات ومعارف تتناسب مع احتياجات التنمية الاقتصادية للبلدان. اما عملياً, تؤدي كليات الادارة والاقتصاد ذلك الدور الهام في تحقيق الاهداف من خلال رفد المجتمعات بأفراد يحملون افكار اقتصادية جديده ومتطورة تساهم في النمو الاقتصادي وذلك يأتي من خلال استثمار الافكار والعقول البشرية الداخلة الى تلك الكليات. أما في جامعاتنا نشهد العكس من ذلك, فنحن نرى طلبتنا عاجزين عن اداء ادوراهم في التنمية الاقتصادية التي يحتاجها المجتمع. مثال على ذلك, لدينا العشرات من كليات الادارة والاقتصاد التي تضم الآلاف من الطلبة والذين من المفترض يكونوا بعد سنوات من الدراسة والتدريب والتأهيل هم النواة الاساسية لبناء وتنمية القطاع الاقتصادي بشقيه العام والخاص والعمل في شركات اجنبية بالاضافة العمل على احداث تغييرات في مسار الاقتصاد العراقي المتهالك. ولكن مانراه اليوم هو العكس, فنجد طوابير من خريجي كليات الادارة والاقتصاد يستنجدون بالحكومة من أجل توفير وظائف حكومية لهم من اجل تحسين وضعهم الاقتصادي!. ان واحداً من اهم الاسباب التي ادت على عدم تطورهؤلاء الطلبة مهنياً وفكرياً ومعرفياً هو مدخلات تلك الكليات والتي تعتمد بشكل قطعي على نظام القبول المركزي. اذ ان هناك الكثير من الطلبة هم غيرمؤهلين للدراسة في كليات الادارة والاقتصاد, ولكنهم وجدوا انفسهم في تلك الكليات بفعل النظام القبول المركزي والذي لم يراعي رغبات واستعدادات الطلبة وقدراتهم.
اما من حيث النساء, فقد يجدن الكثير من الطالبات انفسهن بدراسة تخصصات غير مرغوبة لهن ولا لعوائلهن وقد يجدن انفسهن عاطلات عن العمل بعد سنوات من الدراسة وبعد التخرج. خير مثال على ذلك كلية القانون, فبحكم طبيعة المجتمع العراقي هناك بعض العوائل لاتفضل لبناتهن العمل في دوائر المحاكم ومراكز الشرطة بعد التخرج. وكذلك الحال لتخصصات العلوم السياسية فيمكن ان نشاهد عبر التلفاز الغالبية العظمى من المحللين السياسيين هم من الذكور ولايمكن ان نشاهد نساء الا ماندر, بينما هناك الآلاف من الطالبات يدرسن في كليات العلوم السياسية. بطبيعة الحال, ان النساء يفضلن
الدراسة في تخصصات معينة كالطب, الهندسة, التعليم, المحاسبة, تمريض, وعلوم, فلماذا نظام القبول المركزي الحالي سحق رغبة تلك الطالبات وارغمنهن على دراسة تخصصات هن لايرغبن فيها؟

حلول مقترحة

1- جعل الامتحانات العامة الحالية (البكالوريا) امتحان للتخرج من مرحلة الاعدادية وجعلة معيار لتقويم مسارعملية التعليم الاساس وجودته فقط من دون جعلة هو المعيار الوحيد للقبول في الجامعات. او يمكن على الاقل السماح للكليات احتساب نسب معينة من درجات الامتحان النهائي اعتماداً على مواد دراسية معينة تبعاً لنوع وتخصص الكلية, بمعنى اخر يمكن لكليات الطب ان تأخذ ماهو نسبتة 30 % فقط من درجات مواد الاحياء والكيمياء والفيزياء والرياضيات , اما نسبة 70% الاخرى يتم اعتمادها من قبل امتحان القبول الجامعي. وكليات الهندسة تأخذ نسبة معينة من درجات الفيزياء والرياضيات وكليات الادارة والاقتصاد تنظر بنسبة معينة الى درجات مواد الاقتصاد و كليات الاداب الى علم الاجتماع وعلم اللغة …الخ .

2-استحداث امتحانات معيارية لقياس قدرات الطلبة ومستوى ذكائهم تبعاً لكل تخصص وكلية. وتعتبر هذه الامتحانات هي المعيار لتحديد أهلية دخول الطلبة الى التخصصات التي يرغبون فيها وذلك اعتماداً على نتيجة الاداء في تلك الامتحانات. هذا سيوفر للكلية اختيار الطلبة الذين يتمتعون بقدرات ومهارات ومستويات ذكاء تناسب متطلبات الدراسة وفي الوقت ذاته سيتم استبعاد الطلبة الغير المؤهلين للدخول في تلك التخصصات. كل ذلك سيوفر مساحة اكاديمية مشتركة تربط الطلبة بشكل فعال بالتخصصات المناسبة لقدراتهم. كما ان ذلك سيرفع من جودة مدخلات الجامعات ومخرجاتها.

كل ماتقدم يعكس الحقيقة بأن نظام القبول المركزي الحالي هو غير مجدي ولايحقق طموحات الطلبة ولايراعي رغباتهم واستعداداتهم, ومن جهة ثانية هو ايضاً لايحقق طموحات الجامعات نوع التحقيق الجوده والتي دائماً ما تشُكل على نوعية مدخلاتها وعلى رأسهم الطلبة والتي بدورها تعيق عمليات الوصول الى الجودة والتميز. على وزارة التعليم العالي عدم التعامل مع امتحان البكالوريا على ان هذا الامتحان هو الخيار الافضل للقبول, بل ان تعمل على ايجاد امتحانات معيارية جديدة تعد هي المعيار للقبول في الجامعات معتمداً على التحصيل الاكاديمي والسمات الشخصية للطلبة. هذه الامتحانات ستحسن من مخرجات الجامعات وكذلك ستحميها من تدخل الشخصيات الحكومية من اجل الحصول على الاستثناءات لآبنائهم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات