إنَّ الإنتظار من أجمل أنواع العبادات وأفضلها، وحثَّ عليه النبي المصطفى وأهل بيته (صلى الله عليهم أجمعين) حثَّا شديداً، لأن الله (عزَّ وجل) سيبتلي الأمة ويفتنها بغيبة الإمام الثاني عشر الحجّة بن الحسن المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) لمدة طويلة، وتكثر الإبتلائات والتمحيص، حيث سيدعي كثيرون المهدوية كما حصل جليا سابقا، حتى يستخلص الله منهم أنصارا حقيقيين، يسلمون أمرهم لإمام الزمان وتذوب ذواتهم فيه، فلا يرون أحدا إلا سواه، بغيتهم نصرته وخدمته والشهادة بين يديه، حتى يؤسس لدولة العدل الإلهي .من هم المنتظرين ؟، المنتظرون هم جماعة مؤمنة، قررت على نفسها وعاهدتها، على أن تنتظر المنتظَر المنتظِر لأمر الله (عزَّ وجل) في كل حين، ويعيشون اللحظات مترقبين طلعته البهية، حتى يفرج الله عليه وعليهم بظهوره وخروجه وقيامه، لا يهدأ لهم قرار ولا تسكن أرواحهم وتبقى تأن وتألم حتى يرون كلمة الله هي العليا، وتأسيس الحكومة الإلهية التي حلم بها الأنبياء والأوصياء وسالت في سبيلها دمائهم، هُم يرونه قريبا وإن خفي الموعد أو لم يبلغوا متى يحين قدومه، لكن شغفهم به وشوقهم إليه، وتعلقهم لدرجة الغرام، يتأملون مجيئه في أي لحظة .
تجدهم وعلى الدوام أصحاب أمل كبير، قد مات اليأس فيهم، لم يقنطوا من روح الله، يمتلكون من الصبر ما عجز منه الصابرون، حينما تتفحصهم الناس وتنظر إليهم، يعتبرونهم مجانين، قد ذهبت عقولهم، وما عادوا يفقهون شيئا من الحياة، نعم إنهم كذلك، طلقوا الدنيا وزهدوا بما فيها ورغبوا رضا إمامهم المنتظر عن كل ملذاتها وزبرجها، في كل عمل يقومون به، يرون فيه المنتظر، وكأنهم باعوا أنفسهم له فملكهم، فيخشون سخطه وغضبه، ويبحثون دائما على الأعمال التي تدخل في نفسه السرور والفرح، فيجتهدون في ذلك دون كلل أو ملل .في كل حين، يندبون إمامهم، فليت أشعارهم تصرخ القلوب وتحزن، فيلطمون الوجوه والصدور، أين مهديهم في أي أرض قد سكن، وهل طاب منامه، وتهنأ بمشربه ومأكله، أم إن بكاءه على جده الذبيح أبي عبد الله الحسين (صلى الله عليه وآله) قد شغله عن كل طيب، ودموعه قد جفت فتنزل الدماء بدلا عنها، وتشهق روحه لدرجة الموت فلولا أنه السبب المتصل بين الأرض والسماء، وبه يحفظ الوجود لسخى بنفسه حزنا وألما وأنينا على ما جرى، في كل صباح ومساء وفي كل شربة ماء يتذكر مأساة كربلاء التي شاب لها رووس الأطفال، تعز عليهم أنفسهم أن يرون الناس بمختلفهم، ولا يرون حبيبهم الذي أجنهم حبه وقد هاموا على وجههم شوقا إليه .
وفي الأخير؛ هم يتنفسون الصعداء، وإن لم يأتي، فهذا لا يعني إنه لن يأتي، يستشعرون بوجوده كل حين، ويلحظون رضاه في كل عمل يقدمون به، ويحل المساء ويأتي الصباح ويجددون العهد بالإنتظار، فيصفقون اليدين بيعة له ويضربون الأفخاذ مجددين الولاء، في كل صلاة وسجدة وركعة وقنوت هو يذكر عندهم، وتشغل ألسنتهم بالدعاء له حتى يفرج الله عنه ويأخذ بثأره عاجلا غير آجلا .
لنكن مثلهم، ونسير بطريقهم ونقتفي آثارهم، فالإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) يريد منّا الصدق والإخلاص في العمل، وتأديته بشكل صحيح، فرحم الله من عمل عملا فأتقنه وأجاده وعلمه للآخرين، لا يريد منّا سوى للإلتزام بالواجبات الملقاة على عواتقنا والإبتعاد عن المحرمات، وطاعة من أمرنا بطاعتهم – أي : رواة الحديث المتمثلين بالمراجع الأعلام، الذين صانوا أنفسهم وحاربوا هواهم، ومناهم خدمة مولاهم – والإلتزام بتعاليمهم فهم حجته علينا وهو حجة الله عليهم .
أظهر إمام الزمان غدا أو بعد ألف عام، ما علينا سوى أن نؤدي التكليف الشرعي في إعداد النفس وإصلاحها فإصلاح الآخرين، وتهيئة الأرضية المناسبة للحكومة الإلهية العادلة، كونوا منتظرين يرحمكم الله، فلا غير الإنتظار ينفعنا في هذا الزمن، كفوا أنفسكم عن كل ما لا يحببه فستصلون إليه وأقصر الطرق وأسرعها وأجملها هو الحسين (صلى الله عليه وآله ) .