يبدو أن مقولة أكبر منظر للشيوعية و(مرشدها الأعلى) كارل ماركس الشهيرة : (الدين أفيون الشعوب) كانت محقة في وقتها ، يوم كان رجال الدين المسيح هم من يتحكمون في مصائر كثير من شعوب أوربا ويسومونها سوء العذاب!!
لقد وجد كارل ماركس ، أن رجال الدين وعلى مدى حقب التاريخ هم الأخطر على الشعوب من كل الامبرياليات والافكار والرؤى والنظريات المادية أو الهيغلية ، وهم وحدهم من يحيلون البشر الى كائنات مسلوبة الارادة ، لا حول لها ولا قوةّ!!لهذا حاربهم الرجل ، بكل ما أوتي من قوة ، بل لم يؤمن كارل ماركس بوجود رب السموات والأرض أصلا، لانه يعتقد ان كل كائنات الارض والطبيعة هي من خلقت نفسها بنفسها وفق نظرية (المادة) و (الجزيئات) و (التكون الذري) ولا دخل لـ (الرفيق الأعلى) في كل المخلوقات وهو بريء منها كبراءة الذئب من دم يوسف!!
وماركس ومن بعده لينين كانا يشيران ضمن فلسفتهما المادية الى أصل الخليقة أنها قد تحولت عبر سنين طويلة من الزمن الى كائنات حية أكثر تطورا، وبخاصة الانسان ، الذي لم يكن نتيجة وجود خالق، بل (حتمية تاريخية ) للكون وللطبيعة ، ولا وجود لـ ( آله ) يتحكم في مصير الكون من وجهة نظره !!أما الشيوعيون العراقيون فهم وحدهم من بين كل القوى والاحزاب التي كانت تدعي الثورية من ( قلبوا) معادلات ماركس ولينين عن أصل الشيوعية ومفهومها وقضية الجدل الديالكتيكي والمادية التاريخية رأسا على عقب ، وحولوا شعارهم من (ياعمال العالم اتحدوا ) الى ( يا أصحاب العمائم إتحدوا )!!بل أن الشيوعيين العراقيين وجدوا أن (اللطم) مسموح به في المنهج الديالكتيكي الثوري، وقد أصبحوا أصدقاء لرجال الدين ، بل ووصل الامر حد (التحالف) بين منهجي (الكفر الماركسي) و( الايمان الطائفي) على طريقة (تحالف الأضداد)!!
بل ذهب شيوعيون عراقيون آخرون الى أبعد من ذلك حين تحول البعض منهم الى (وعاظ طوائف) ظنا منهم انهم بإمكانهم ان يبعدوا عنهم تهمة (الكفر والالحاد ) المتعارف عليها لدى الفكر الماركسي ووجدوا ان من مصلحتهم (مسايرة) رجال الدين على الحق والباطل ، فأنتجوا نظاما شيوعيا (هجينا) يقبل بالدين ويندمج معه (مؤقتا) بل انهم لم يعد يعتبرونه (أفيون الشعوب) ، كما تحدث به زعيمهم ومرشدهم الماركسي الأعلى (كارل ماركس) حتى ان فكرهم الشيوعي ، لم يعد له لون أو طعم او رائحة أو قبول!!ولا يستغرب الكثيرون ان إنضم بعض الشيوعيين ممن راحوا يحضرون (حلقات الذكر)، و(اللطميات الثورية) وآخرون يرتادون (الحانات الحمراء) في اقامة (حزب شيوعي إسلامي) ،ليكون لهم وجود فاعل في البرلمان المقبل!!
والغريب ان الشيوعيين العراقيين لم يعد يهتمون بالجوانب النظرية ، في بداية انتشارهم السياسي في الخمسينات والستينات والسبعينات ، يوم كانت لهم توجهات نظرية (متقدمة) على زمنها في ذلك الوقت ، وكان كثير من قياداتهم ذات توجهات نظرية تجد من يلتف حولها ويؤمن بها ، ولديهم أفق ثقافي ومعرفي كان يضرب به المثل في الثقافة والوعي ، واستطاعوا أن يكسبوا خيرة مثقفي العراق وفنانيه وادبائه وكان لهم جمهور واسع يتعاطف معهم، لكنهم الان يعيشون آخرمعقل فكري انغلقوا فيه على أنفسهم، وقد سلموا إرادتهم ورهنوها لرجال الدين ومن لبسوا أثواب الطائفية ممن راحوا يتحكمون في مسارات المنهج الطائفي ليثيرون الاحقاد والضغائن ، ويشعلون نيران حروب لاتبقي ولا تذر!!
التحالف الاخير بين موسكو وانظمة الحكم القائمة على أساس ديني طائفي الغى كل نظريات ماركس ولينين، عن الفكر الماركسي ولم يعد الشيوعيون العراقيون من يهتمون بمنطق فكرهم المادي الديالكيتيكي ،واهتموا ربما بالمحافظة على (النادي الترفيهي) في اتحاد الادباء أكثر من اهتمامهم بنظريات مرشدهم الأعلى ماركس رحمه الله وأسكنه فسيح جناته!!
وما إن اندمج الشيوعيون العراقيون في تحالفهم مع رجال الدين في العراق، حتى ضمنوا لأنفسهم أنهم لم يعودوا ليدخلوا ضمن قائمة الاتهامات الموجهة لهم بأنهم (كفرة) ، بل ربما لبس البعض منهم (عمائم) ، بعد إن وجه مرشدهم الأعلى كارل ماركس مؤخرا ( فتوى) الاندماج مع الموجة الطائفية ومسايرة توجهاتها ، وبالتالي ضمن الشيوعيون لأنفسهم أنهم لم يعودوا (كفرة)!!