26 نوفمبر، 2024 12:35 م
Search
Close this search box.

محمد سهيل أحمد:.. برق الالتماعة الأولى والانبثاق(2 -2 )

محمد سهيل أحمد:.. برق الالتماعة الأولى والانبثاق(2 -2 )

ثمة في(الآن وبعد سنين)* ثمانٍ من القصص دارت أحداثها في الدول العربية: وهي الكويت والأردن وليبيا حيث أقام فيها،سهيل، سنوات . وقد انصاع في تلك القصص ، لاشتراطات النثر بكل ما يتوفر فيه من خشونة وتحفرات وارتطام الأجنحة التي تمتلكها الشخصية القصصية بوحول الثرى. نؤشر اهتمام القاص (محمد سهيل احمد ) بالمتلقي ، فشخوص مجموعته الأولى(العين والشباك) كانت بسيطة مستلبة تقاسي شظف العيش ، وهي منحدرة من عالم القاع الاجتماعي لكنها تحاول إن تحيا خارج قوسه، و بدت شخوص مجموعته الثانية، خليطاً من الصنف الأول: خادمات من سيلان والباكستان ، سوداني يعمل في مزارع الزيتون الليبية يُتهم بإغواء فتاة قاصر ، ونماذج أخرى منسحقة أيضاً بيد إنها تحيا واقعاً آخر ، مرفهاً وباذخاً ، خليجياً تحديداً . تتسم الشخصيات القصصية، في “الآن أو بعد سنين” بشرائح تبدو سايكولوجيتها مركبة، بحكم تباين عوالمها . ومنها قصص امرأة بلون الشاي(ص75) و البانكوكيات(ص97) و ثلاثة طوابق(ص103)،
وقصص غيرها في المجموعة التي وقعت على(200 ) صفحة من القطع المتوسط ، وقسم من قصصها لا يتجاوز صفحة ونصف الصفحة. بعض شخوص (الآن وبعد سنين) مقتربات لشخصيات حقيقية التقاها “محمد سهيل أحمد” وتعايش عبر علاقات خاصة معها ، وأخرى سمع عنها وعن الأحداث الغرائبية التي أطرتها ، ومنها الطاهر النقي الذيل، وبعضها الآخر المدنس . 
وهي على العكس من شخوص مجموعته (العين والشباك) و التي لم تخل من الجانب ألابتكاري في رسمها وما خضعت له من وقائع . لا يعول ( محمد سهيل أحمد)،كما ذكر في جلسة خصه بها ، الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين في البصرة: “على الحراك النقدي من خلال بعض النقاد الذين اخذوا عليه اختلاق الواقع باللاواقع في قصصه”.نختلف هنا مع القاص في هذا الشـأن و نرى أن كتابات النقاد عن النتاج الأدبي- الفني، 
ظاهرة ايجابية، وهي الكتابة عن عمل مُنتج بشرط توفر التجرد والموضوعية، وهما المدخل لحوار ايجابي يكشف ويؤول أبعاد العمل الفني. ( الآن وبعد سنين) تكشف أن القصص ليست في الاختلاق من عدمه، فما أكثر الشخصيات المبتكرة التي تخلقها ذائقة أو رغبات القاص، أي قاص، لكنها لا تنفد لدى المتلقي وربما العكس صحيح. نلاحظ أن القصص الأربع الأولى تدور إحداثها في

الشمال الإفريقي . وكل نص من النصوص الأربعة يعمل على رسم صورة شخصية محورية تتحكم بالحدث أو يتحكم هو بها ، وتتميز بغرائبية أفعالها ،ولا اعتيادية هواجسها فقصة مملكة الرجل الوحيد(ص5 ) تتناول مدرس مصري يعاني الوحدة والحرمان الجنسي فيداوي آلامه بمراسلة أعداد كبيرة من فتيات مدن افريقية وآسيوية ما يقوده بالتالي إلى الوقوع تحت براثن روتين قاتل إذ يخصص ركناً سريا لسجلات الوارد والصادر من رسائل العشق. أما قصة دوار الريح(ص13 ) فهي نص غنائي النبرة تتوزع أحداثه بين عالمين متباينين : عالم الريح والرمل في الجانب الليبي وعالم ريح الصبا وسط حاضرة اسمها تونس العاصمة . وتنتهي الحكاية حين يتحقق للسارد،البطل، 
ما يريد : البحث عن امرأة لكنه يفقدها من جديد؟!. قصة أحلام خفاش (ص23 ) تتناول مدير مدرسة يقلب المدرسة التي يديرها إلى ما يشبه القلعة المغلقة ويبدو شخصياً أشبه بسجان من سجاني القرون الوسطى: (( تتدلى من كمر بنطاله عشرات المفاتيح ))، ويعد النص صورة كاريكاتيرية مريرة لطاغية مستبد يمثل الصورة المصغرة لطغاة عالم السياسة، في العالم العربي، أو غيره. أما قصة خبز وجمر(ص37 -72) فهي مطولة وقد بذل القاص فيها جهداً كبيراً لضغطها كي لا تتمدد باتجاه (النوفيلا) أو حتى (الرواية) قصيرة الطول ، وثيمتها حكاية مطاردة لشاب أفريقي يعاني قدراً من النظرة الدونية في قلب بيته (أفريقيا السوداء ) إذ يتهم البطل( عثمان كومبو) بإغواء فتاة قاصر. 
وبعد أن يقبض عليه تنفذ فيه أبشع أصناف العقوبات؟!. ويعد النص لوحة لوسط مكاني يقع بين الساحل الليبي والواحة وما يدور في رؤوس رجال الواحة هناك وما عرف عنهم عبر قناعات وتقاليد فيها قدر كبير من القسوة والعنف .أما تجربة القاص(سهيل) الخليجية، وعمله وحياتها هناك، فتضم أربع قصص أيضاً جاءت ثمرة إقامته في الكويت منذ (1977 -1990 ) وعمل خلال هذه الفترة محرراً ومترجماً في بعض الصحف والمجلات ، فكانت بعض قصصه في (الآن أو بعد سنين) ترسم أربع لوحات سردية تتباين وتتماثل في آن معا: فقصة الخروج من النقعة (ص67 ) تروي عن شخصية بحار،خليجي، عجوز تخونه زوجته بسبب عدم مقدرته على إشباعها جسدياً.أما قصة البانكوكيات (ص97 ) فهي نكتة شديدة الإيلام وإبطالها فئة من المتقاعدين المترفين الذين يسافرون لـ(بانكوك) بحثاً عن بقايا قوة علَ أعضاءهم الجنسية المتهالكة تجود بها!.أما النص المعنون امرأة بلون الشاي(ص86) فيتفرد بتناوله الغنائي أسلوباً، والإنساني اختياراً لشخوصه المكبلة بالتابوات والحرمانات الجنسية والوقوع تحت براثن الفقر
والاستلاب ويتلخص بتعاطف يصل لحد عشق الراوي خادمة (سيلانية) تدفع بها ريح الفاقة إلى عالم الدعارة . وقصة ثلاثة طوابق (ص103) عني القاص بمبناها عناية متعددة المستويات ، وتحكي قصة فتاة عاملة في إحدى شركات الأثاث بـ(الكويت) يدعوها رب العمل إلى عالمه السري في الطابق السفلي (ما تحت الأرض) لتكتشف أركاناً تضم مقتنيات مثيرة للفزع والاستغراب وتفر عائدة إلى الطابق الأرضي قاذفة بنفسها إلى بحيرة من الكرات الملونة في القسم الخاص بالأطفال.بقية نصوص المجموعة تضم عدداً من القصص القصيرة جداً ونصاً مطولاً واحداً هو هدايا مارس(ص150 ) 
تستظل جميعاً بعنوان واحد هو ( سطوح) .وخارج هذه الانطولوجيا يلتقي القارئ بقصص متفرقة وعلى النحو التالي : فانتازيا حساء القش(ص125 ) وهي من قصص الإدانة اللامباشرة إذ تشتغل على شخصية ( الأب ) الذي يطعم أبناءه حساء القش ليل نهار . ولا شك إنها استعارة تحمل مزيجا من الغرائبية والجنون عبر تناول أسلوبي يعتمد السرد الوصفي والسرد الداخلي والغرائبية الترميزية في آن معاً .أما قصص “من يقرع الباب ، و الأزرق الكبير، واسميك التايتانيك أيضاً ، و أمام الشباك، ورحيل غالى السراب ، والحبل السري” (ص171- 199) فهي، بحكم ثيماتها وحجمها تقع ضمن جنس (القصة القصيرة جداً) و تعتمد الصورة الموحية والضربة، أو الومضة، الأخيرة ، من خلال تقنية تتشابه في تبنيها للغنائية المتقشفة والسرد الشاعري العبارة ، دون الوقوع في فخاخ المباشرة و التميع.
*منشورات وزارة الثقافة – دار الشؤون الثقافية – بغداد

أحدث المقالات