يتعامل الدين مع الإصلاح من باب الشمولية والعموم، ويعالج القضايا من حيث التشخيص الصحيح، الذي يضمن الفتك بالداء! قبل فتك الداء بجسد المجتمع! ومن هذا المنطلق، تنظر المرجعية الدينية العليا إلى الأزمة العراقية، بأنها متجذرة وتحتاج الى حجر أساس قوي، وتراه إصلاح القضاء! والعمل على تغليب لغة المفاهيم الجديدة عليه! وحتى لا تتهم المرجعية بأنها لا تعي حداثة العصر،دعت خلال خطبها الى إحداث “تكنوقراط” في القضاء، بأعتباره نقطة البداية نحو الحل الأمثل للأزمة.
لا نريد أن نعيد الى الأذهان قضية محاكمة “الجبوري”وتبرئته وغلق القضية بمدة لا تتجاوز شرب فنجان القهوة،على مكتب السيد “رئيس القضاء العراقي”بقدر ما نريد ان نتخذها محل شاهد، ونركز من خلالها على أمرين وهما :-• إعطاء صورة واضحة عن القضاء العراقي عبر شواهد تأريخية.• لماذا تؤكد المرجعية الدينية العليا على الاصلاح إبتداء بإصلاح القضاء؟
يقال: (إن القانون مثل بيت العنكبوت! تهلك به صغار الحشرات! وتوهن خيوطه كبارها)، في البصرة تحديداً وفي زمن خلافة “عمر ابن الخطاب” جُعل “المغيرة أبن شعبة”والياً على البصرة! وكان مشتهر بفسقه وفساده! حتى قيل مثلا في البصرة ( أزنا من المغيرة )، وجده أربعة رجال وهم (زياد بن أبيه, وأخواه بكرة, ونافع, وشبل أبن معبد)، وقد نزا على امرأة تدعى “أم جميل” فرفعوا قضيته الى الخليفة! كونه والياً وقاضياَ وإمام جامع البصرة الكبير.
بعد أيام من المفاوضات، تقدم الشهود الأربعة للشهادة ضد “المغيرة” بالفساد أمام الخليفة، فشهد ثلاثة! وكان رابعهم “زياد أبن أبيه” فلما تقدم للشهادة نظر بوجهه “أبن الخطاب” وقال:(أرى رجلاً أرجو أن لا يفضح الله به رجلاً من أصحاب رسول الله)، وكانت رسالة فهمها “زياد” وأمتنع عن الشهادة، فحكم “الخليفة “ببراءة “المغيرة” لعدم كفاية الشهود! وأمر بجلدهم! تمهيداً لغلق القضية، ورسالة لكل من تسول له نفسه باتهام واليه “المغيرة أبن شعبة” بالفساد!.
الشاهد من الواقعة هو ما حصل في المحكمة الإتحادية! وما آل إليه القضاء العراقي بقضية المتهم”سليم الجبوري”والقاضي”مدحت المحمود”وما أشبه مسرحية “أبن المغيرة” بقضائنا اليوم، وإن كان الفارق بينهما،إن “الخليفة”إستغرق وقت لسماع الشهود! لكن الذي حصل اليوم إن القضاء لم يستغرق حتى وقت طباعة قرار القاضي! بأي منحدر يتجه قضائنا في العراق؟ بأي قانون يتسنن ويتقنن”مدحت المحمود”؟ وكيف يتعامل مع الفساد المستشري بالبلد؟ متى تنتهي هذه المسرحية المبكية؟ والتي يعاني منها الشعب طوال هذه السنوات!
المرجعية الدينية حاضرة ومشخصة بدقة لما يحصل بالبلد، و شخصت القضاء العراقي بأنه مشابه لقضاء الخليفة والمغيرة! ولابد من إصلاحه والبدء به أولاً كونه الحجر الأساس، لمعالجة جسد المجتمع المتهرئ بالفساد، يحتاج إصلاح القضاء عملية قيصرية! للتخلص من الجنين المتعسر،في بطن المحكمة الإتحادية! منذ 30/3/2005 وهو “مدحت المحمود”! ذلك الشيخ الذي أبيض شعر رأسه بالفساد قبل الشيب! في فضاء ملئه العماله! التي تمليها عليه مصلحته الشخصية! حتى صار مكتبه دكان للعمالة والسمسرة السياسية .
المجتمع العراقي لم يكن أغلبه بالصورة الصحيحة، وأمام شاشات الواقع، يلتقط البث المباشر للمرجعية، راح غالبية الناس تؤسس للأصلاح عبر تظاهرات وإعتصامات فاقدة الشرعية والمطلبية!وسيقت تحت عناوين خفية بغير جادة الطريق! منذ فترة ونحن نستبدل الوزير تلو الوزير! ولعل اليوم 15/8/2016 نشهد صراخات البرلمانيين أثناء التصويت على بعضهم! هذه كانت نظرة بعضهم! بأنه يرى الأصلاح بتغيير الوزراء! فماذا بعد إن إستبدلنا الوزراء؟ هل أنحلت أزمة التقشف؟ هل الوزراء لهم عصى السحر او الضرب بالمستحيل وتحويله للممكن؟ أم إن الأزمة لازالت قائمة بذاتها؟
وأخيرا؛ الإصلاح الذي أتعب ألسنة السياسيين، وصدع مسامع الشعب، لكثرة تداول مصطلحاته، لا يمكن زرع بذرته في الحكومة! وأرض الحكومة غلبها ملح الفساد، وترى المرجعية إن اصلاح القضاء، كفيل بحل الكثير من الأمور الأخرى، ومنها:
• محاسبة السراق والمفسدين سيعيد ميزانية الدولة المنهوبة! وبذلك قتلنا شبح التقشف.• وجود القضاء العادل لا يمكن الموجودين بالحكومة من الفساد مستقبلاً.• وجود قضاء نزيه سيعيد شرعية الدولة وهيبتها وسيعي المجتمع تلك الهيبة مما يعمل على إصلاح المجتمع أيضا.
وختاماً إذا ما بدأنا بإصلاح جذري من خلال القضاء، التي سيصلح الدولة والمجتمع، عندها نستطيع ان نتكلم عن بواعث حلحلة الأزمة العراقية، وعلينا أن نعي كمجتمع ذلك الاصلاح وندفع بإتجاهه، وأن لا نعيد الى الطاولة حادثة “الخليفة والمغيرة”!وأن نطبق القول الذي ينص:( إذا صلح القضاء صلح المجتمع)، وإذا ما صلح المجتمع صلحت الدولة.