عاشق من نوع فريد، يسجل ويردد تفاصيل معركة أسطورية، لمعشوق أكثر تفرداً، بجنونه نحو عشق الباريء عز وجل، بثت ترنيمات صوته، أنباء قصة إنتصار الدم على السيف في طف كربلاء، ووفيات الأئمة الأربعة عشر (عليهم السلام)، فصوته يحترم الأوراق المكتوبة بكلماتها وآهاتها، دعاء الفرج ينزله شفاء، عندما يسمعه المعزون بلفهة الإنتظار، وبمجرد أن تواظب على سماع قصائده، تشرق لك مدينة لاتنامن لتصف لنا كل معاني الإباء والصمود والكرامة، جسدها بنو علي وأنصاره في الغاضرية، أما دعاء فلها قصة مؤثرة معه!
دعاء طفلة في الخامسة من العمر، لكنها ترفض إسمها وتقول نادوني: (مسودنة) لفظة عامية بمعنى (مجنونة)، ولأن أسنانها بدأت بالتساقط واحدة بعد الأخرى، كانت تعرّف نفسها(مثودنة باثم)، أي(مجنونة باسم)، وكي نعرف سبب التسمية تعالوا لنتكلم مع دعاء، وهي بعمر الثالثة عشرة الآن، ورغم رفضها للقائنا لكنها قبلت، عندما سمعت بأن الحديث يخص الملا باسم الكربلائي، فإستعدت أيما إستعداد وأحضرت صوره القديمة والحديثة، وقالت: الحمد لله الذي جعلني أعيش أيام العزاء، مع هذا الصوت الشجي، لأن أهلي لم يستطعيوا ذلك سابقاً!إستغربت كثيراً خلال محاورتنا لدعاء، حيث أخرجت لنا كتيباً صغيراً بخط يدها الجميل، يحتوي نبذة مختصرة، عن سيرة حياة هذا الرادود الحسيني العملاق، الذي ملأ صوته كل أركان القضية الحسينية، وظلامات أهل البيت (عليهم السلام) فبدأت بالقول: إنه الملا باسم إسماعيل محمد الكربلائين من مواليد مدينة كربلاء المقدسة ولد في العام ( 1967 )،عاش في أجواء دينية رحبة، تدور رحاها في خدمة الإمامين الحسين والعباس (عليهما السلام) لكن العام( 1980 ) شهد تهجيرعائلته من قبل النظام المقبورن بحجة أن أصلهم من الفرس! عمره ثلاثة عشر سنة حينما هاجر الى إيران، حمل معه لحن ومقامات صوتية، تخص الرادود حمزة الصغير (رحمه الله)، الذي كان الملا باسم يعشق صوته، وإستقر مع عائلته بأصفهان مسقط رأس جده، داوم وتعلم خلال خمس سنوات، حفظ القرآن الكريم لتحسين صوته، وتليين حنجرته على يد الملا تقي الكربلائي، التي أمست فيما بعد حنجرة ذهبية، ثم تردف دعاء قولها: ما أروع مجالس اللطم والبكاء، إذا كان الرادود الملا باسم، إنه مدرسة متميزة بكل شيء، ونذر نفسه لقضية عالمية الوجود (كربلاء)!
تقول دعاء صاحبة الثلاثة عشرة عاماً، أحببت بنود العقد الذي أبرمه الملا باسم، مع أهل البيت (عليهم السلام)، فقدعُرِض عليه عقد لمدة خمس سنوات، وبمبالغ مغرية على ألا يشارك بعزاء الإمام الحسين (عليه السلام)، لكنه رفض بشدة خاصة بعد أن جاءه ملحن مشهور، وطلب منه ما يلي:أريد فتوى من مرجعك، يجيز فيه الضرب على أي آلة موسيقية، وبعدها سأقلب العالم بصوتك! لكن دعاء إستدركت القصة بإنزعاج: أتمنى لو أني أعرف هذا الملحن الماجن، لقلت له: شتان ما بين الثرى والثريا!
بقي أن تعرف عزيزي القارئ، أن دعاء ذات الثلاثة عشرة ربيعاً، تتمنى أن تلتقي بالملا باسم الكربلائي ولو من بعيد، وأن تكون صديقة لبناته الثلاثة:(ريحانة ورقية وفاطمة)، لأن عميد العزاء الحسيني يستحق التقدير والإحترام، وهو بمكانة أبيها العزيز، وأخر حديث لهذه الفتاة الصادقة، أنها أرسلت الى الملا هدية، متمنية له دوام التوفيق والصحة، ليديمه أباً للأبناء الصالحين، السائرين على نهج أبي الأحرار، الإمام الحسين(عليه السلام)ن حين قرأت الآية الكريمة:(إليهِ يصعدُ الكلمُ الطيبُ والعملُ الصالحُ يرفعهُ)لأنه ممَنْ (يرجون تجارة لن تبور)!