19 ديسمبر، 2024 12:57 ص

العلمنة والخطاب الجمالي

العلمنة والخطاب الجمالي

من الصعب تحديد زمن لبداية الأسطورة إلا إن الشرق كان سباقا إلى تلاشي الذات وتماهيها مع الميتافيزيقي, وتعد هذه السمة أساسية استمرت طويلا ولا تزال متغلغلة في الراسب التحتي للعقل المسيطر لهذه المجموعات الإنسانية, وكي نحصل على الأنماط الأولى علينا القيام برحلة توصلنا إلى الأنماط البكر, ومثل هذه الرحلة لا تتحقق إلا بسبر العمق الفكري لتلك الأنماط في تشيؤها ألبدئي. والأسطورة شكل استمر لمراحل استمر لمراحل متعاقبة وان كانت في بنيان أحادي الجانب وذو قاعدة ثقافية تطرح شخصيتها داخل الدراما الحياتية,ولكن ليس من النوع المتمركز في اللامعنى أو كيفما اتفق وبدون اتجاه بل بتحالف يعي فعالية راس المال الرمزي(ا) ودوره المركزي في بناء القاعدة الاجتماعية الطبقية وتحالفاتها المستقبلية, وفي ظروف تواجد تراكم ثقافي ومعرفي يمكن القول إن هذا التشكل مهما بلغت تعقيداته ومقترباته من دلالات الحافة, لابد أن تتطور المأساة في داخله إلى ثورة وهي التي تدعو إلى تغيير البناء الفوقي ليشمل كل المؤسسات أخلاقية أو جمالية وجعلها سيدة الموقف, وهذا ينبئنا إن التغيير يجب أن يحفر في أعماق الوعي الإنساني وهو الذي يضع النقاط على الحروف وينقل اهتماماتنا الذهنية من التأليف إلى مواجهة المشكلات وحتمية تأثيرها على البنيان المفصلي ليس بصفتها الغيبية التبريرية التي تقود إلى تصور ثيوقراطي للعلاقات الاجتماعية وبالتالي تبقي الخطاب غامضا وغير مكتمل لايؤدي إلى فعالية. إن التميز يكون بما دخل الأسلوب من تراكم معرفي وكما هو معروف إن التطور المنظور يجري خارج الكيان البشري ولكن في حالة جدلية مع الكيان المعرفي للمجموعات الإنسانية وهي علاقة ديناميكية تعتمد على القيمة الأدائية للمنظومة الفكرية للأفراد, وبذا تكون احتمالات الاستجابة غير موحدة,وإذا أردنا أن تكون هناك توازنات بين المعطى والبناء الاجتماعي من حيث هو القيمة المبتغاة بإنسانيته لا بد من جعل الخطاب الحضاري ينظمن عناصر معينة وأهمها الشكل المكتمل بمصداقيته حينها يتبلور هذا كله في وحدة جمالية فعالة قابلة للصياغة في منجز يتميز بالوحدة والتنسيق ,وان كانت غير ذلك تصبح تقليدا خاملا ليس له أي فعالية ولا يمتلك اسمه الخاص,إذ تشع داخله الفردية والانا المريضة وكل إرهاصات السلطة, على أن تنوع الأجزاء هو الذي يعمل على صقل التجربة الحياتية ويوجه التفكير نحو اكتشاف المجهول وهي خبرة فريدة تسير بانسجام داخل الذات الواعية وتؤسس بنيانا تقدميا للكيان الثقافي في معترك فيه المغامرة محسوبة وذلك بالتصدي لوجع اللحظات الحرجة. وان الواقع لا يقرا من خلال الأسطورة فقط لأنها رواية محورة لتفسير الواقع لان مايهم هو المعنى وإمكانية تحريك الكلمة وبالتالي تلهب الحماسة نحو التغيير.
إن الصراع بين العلمنة والثيوقراطية لازال محتدما وهو يشكل مفهومين متناقضين للمعرفة والعمل التاريخي في الأول يتحول العمل إلى تجسيد ويمثل الوجود بالنسبة له الواقع العياني بكل إشكالاته والثاني يتموسق مع الأسطورة ابتداء من أساطير الطوفان إلى جحيم دانتي, وعندما تفيض روح الإنسان بمشاعر لا يملك إلا أن يكشفها ويكون أسير هذا الكشف ويصوغها في سياقها الإبداعي حد احتضار اللحظة, ويبدو حجم الوظائف والقيم أعلى من كل شيء نجده يرفض كل أنواع التشدق والارتباط إلا انه يجد نفسه أحيانا يدور في حلقة اوربيد والفكر لا يتحرر إلا بالخروج من هذه الحلقة. إذن نحن بحاجة إلى ابتكار لغة جديدة, فالستار ألقرباني الذي يخفي الحقيقة لا يتفتت بسهولة والخلافات التي يتم تخزينها بدقة تنظم وتعقلن وتتحول إلى تحالفات تتشكل ببهاء ولكن دائما له معنى وبما أن الحضارة سلوك بقدر ما يبتعد به الإنسان عن أصله ألبدئي, علينا أن ننظر بحذر إلى تحالفات الرأسمال الرمزي بما فيها من مراوغة واستعطاف.