17 نوفمبر، 2024 7:43 م
Search
Close this search box.

غلق التحقيق مع السيد رئيس المجلس

غلق التحقيق مع السيد رئيس المجلس

بعد الهزة العنيفة التي احدثها استجواب السيد وير الدفاع العراقي امام مجلس النواب تحولت الكرة الى ملعب القضاء العراقي ليبدء هناك صراع بين السيد الوزير وبين من ذكر اسماؤهم في جلسة الاستجواب وكانت اول جولة تحقيقية تظهر الى العلن هو القرار الذي صدر عن الهيئة التحقيقية التي تم تشكيلها من قبل مجلس القضاء الاعلى للتحقيق في الموضوع وهو القرار الذي صدر بغلق التحقيق مع السيد رئيس مجلس النواب على اساس عدم كفاية الادلة وفق المادة 130 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي . وهو القرار الذي اثار ردود افعال كبيرة في الشارع العراقي وعلى المستويين العربي والعالمي نظرا لطبيعة القرار ومركز الشخص الذي تم التحقيق معه والسرعة التي صدر بها القرار مما يتطلب البحث في الحيثيات القانونية التي دعت لصدور مثل هذا القرار . من نافلة القول ان اي تحليل للقرار لايجب ان يعتبر تدخلا في عمل القضاء فما دام القرار قد صدر من هيئة قضائية مختصة وبحضور ممثل الادعاء العام فهو محصن الا اذا تم الطعن فيه امام الهيئة القضائية الاعلى وهي في هذه الحالة محكمة الجنايات بصفتها التمييزية او محكمة التمييز حسب مايقرره القانون الا ان ماسوف احاول القيام به هو قرأة لحيثيات القرار للوصول الى دوافع صدوره دون التدخل في العمل القضائي .
من خلال قرأة القرار الصادر نجد ان القرار صادر بناء على شكوى تقدم بها السيد خالد متعب العبيدي وزير الدفاع ضد المشكو منه الدكتور سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي وفق المادة 331 من قانون العقوبات العراقي والتي تنص على ( يعاقب بالحبس وبالغرامة او بإحدى هاتين العقوبتين: كل موظف أو مكلف بخدمة عامة ارتكب عمدا ما يخالف واجبات وظيفته او امتنع عن أداء عمل من أعمالها بقصد الأضرار بمصلحة احد الأفراد او بقصد منفعة شخص على حساب آخر او على حساب الدولة.) ولعدم تمكن المشتكي من تقديم ادلة كافية الى الهيئة القضائية التحقيقية تدعم ما ورد في شكواه قررت الهيئة غلق التحقيق في الشكوى استنادا الى المادة 130 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي .
من الفقرة السابقة نجد ان القرار الصادر صحيح ومطابق للقانون وفق النقاط التي ارتكز عليها وكما ورد في القانون وحتى في حالة الطعن بالقرار كما اعلنت هيئة النزاهة فالنتيجة الاكيدة ان القرار سوف تتم المصادقة عليه لعدم وجود اي مخالفة قانونية او اجرائية تشوب القرار استنادا للوقائع التي صدر بموجبها . ولكن عند التدقيق في الحيثيات نجد ان هناك نقطتان يمكن ان تؤخذ على ذلك القرار ويمكن اثارتها من الناحية القانونية :
1. ان المشتكي قد ارتكب خطاء عندما تقدم بشكواه دون ان يكون لديه مايكفي من الادلة التي تدعم ماورد في ادعاءاته وبذلك وضع نفسه في موقف لايحسد عليه وخصوصا انه تقدم باسماء خمسة شهود لايملك اي منهم شهادة عيانية او حضورية كما ان التسجيلات الصوتية التي تقدم بها لم يرد فيها صوت المشكو منه . كان على السيد محامي المشتكي ان يوضح ذلك لموكلة قبل ان يصطحبه لتقديم شكواه اما الهيئة التحقيقية .
2. ان التحقيق قام على اساس المادة 331 من قانون العقوبات التي اوردناها في اعلاه ومن نص المادة نجد ان المشكو منه لم يرتكب اي من الافعال التي ذكرتها الماده اعلاه حصرا حتى لو تمكن المشتكي من اثبات دعواه بان المشكو منه قد توسط لديه لاحالة بعض العقود والمناقصات الخاصة بعمل وزارة الدفاع لمصلحة اشخاص من طرف المشكو منه .
وبمناقشة النقطتان اعلاه يمكن القول بانه من غير المتصور ان يكون اي شخص عندما يعرض عليه رشوة او ان يتم التوسط لديه من اجل الحصول على عطاءات او مناقصات او مقاولات خارج اطار القانون بان يكون قد جهز الشهود على ذلك فالمفترض ان الشخص يكون غير عالما بما سوف يعرض عليه كما انه لايوجد عاقل يقول بانه عندما يكون هناك عرض للرشوة او التوسط ان يتم ذلك بحضور الشهود او ان يتم ذلك بصورة علنية او موثقا بصورة كتابية او صورية . وبمراجعة التصريحات التي اعلن عنها السيد وزير الدفاع خلال جلسة الاستجواب المثيرة نجد انه قال بانه تمت محاولة للتوسط والامر قد تم في الغرفة الخاصة بالسيد رئيس مجلس النواب وبحضوره وبموافقته وبرعايته وهذا الفعل ان صدق فهو يقع ضمن افعال تسهيل اتفاق جنائي وكان على السيد وزير الدفاع ان يتجه الى الادعاء العام ليقوم الادعاء العام بتقديم الشكوى وفقا للصلاحيات التي يخولها له قانون الادعاء العام ويتم اخذ اقوال السيد الوزير بصفته شاهدا على الجريمة المنسوبة الى من وردت اسماؤهم في الاستجواب .
من ناحية اخرى ان المادة 331 من قانون العقوبات بعيدة جدا عن الفعل المنسوب الى المشكو منه فهو لم يقم بمايخالف بواجبات وظيفته او امتنع عن اداء عمل من اعمالها لان العقود والمناقصات موضوع الشكوى ليست من اعمال السيد رئيس مجلس النواب وليست ضمن اعمال المجلس فالفعل المنسوب الى المشكو منه يقع ضمن الافعال المنصوص عليها في المواد 47-58 من قانون العقوبات العراقي الخاصة بالشريك والمساهم وكان على السادة اعضاء الهيئة التحقيقية النظر في تلك المواد لاتخاذ القرار في هذه الشكوى .
ان ماجرى من وقائع دراماتيكة في هذه القضية تشير الا ان هذا السيناريو سوف يتكرر دوما في كل قضية تتعلق بالفساد المالية والاداري والسياسي في العراق فقد اصبح التوسط ومحاولات التاثير على احالة المناقصات والعقود والتعيينات من أكثر الصور المتداولة في الحياة اليومية للأفراد والتي تؤدي الى تعميق الفساد الإداري في أنشطة الدولة، كافة لأنه سوف يؤدي إلى سرقة حقوق الآخرين والاعتداء على المال العام وقيم المجتمع، لأن هذا الاعتداء لم يكن لولا سعي بعض ذوي النفوذ إلى إلزام الموظف بأداء عمل نتيجة لتوسط أو توصيه أو رجاء على خلاف السياق العام للعمل الإداري، مما يؤدي إلى حرمان شخص آخر، أما من الانتفاع بالخدمة التي يقدمها ذلك الموظف من خلال عمله، أو تعيين شخص هو ليس الأكفأ بين أقرانه، وذلك على حساب الآخرين، مما يؤدي وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، ويؤدي إلى تعطيل المنظومة الإدارية وتردي الخدمة العامة وظهور حالة التخلف الاقتصادي والاجتماعي، التي هي نتاج الفساد الإداري . الا اننا سنجد ان الكثير من القضايا سوف تضيع مابين طبقة فاسدة برعت في حماية نفسها وافعالها من المسألة ومابين ضعف في الثقافة القانونية لدى المسؤولين العراقيين وقضايا اجرائية ناتجه عن جهل باصول المرافعات الجنائية . فعلى سبيل المثال ظهر احد السادة النواب وهو محامي سابق ليقول بانه لاتوجد جريمة لان العقود موضوع البحث لم تتم متناسيا ان القانون بعاقب على المساهمة والاشتراك في
الافعال الجرمية حتى وان لم تتم تلك الافعال كما ان قيام وزير الدفاع بتقديم شكواه بدون ادلة يؤكد انه لم يحصل على الاستشارة القانونية الصحيحه .
كما ان مما يمكن ان يثار بخصوص هذه القضية هو سرعة صدور القرار بالرغم من ان الهيئة التحقيقية قد بررت ذلك بان طبيعة الشخص المشكو منه وطبيعة المنصب الذي يشغله دفعت المحكمة الى النظر في الدعوى بصورة مستعجلة بحيث تم تدوين افادات جميع الاطراف خلال يومين وتدوين افادة المشكو منه واصدار القرار في اقل من ساعة . بالرغم من ان المبدأ القانوني يقول ان العدل البطيء هو ظلم الا انه يجب ان يتم الاخذ بعين الاعتبار ان هذه القضية في طبيعتها وطبيعة اطرافها واهتمام الشارع العراقي بها اصبحت من قضايا الراي العام التي يجب ان يتم التروي في حسمها واتخاذ القرارات فيها حفاظا على هيبة القضاء اولا وحفاظا على مشاعر المجتمع ثانيا والمحافظة على صورة جهود مكافحة الفساد في العراق امام العالم .
بعد ما تقدم اود ان اؤكد بان مااوردته ليس الغرض منه ادانة طرف ضد طرف اخر في القضية وليس انتقادا لقرار قضائي له كل الاحترام والتقدير ولكنه قرأة سريعة لاحداث ماجرى في هذه الدعوى والايام

أحدث المقالات