حادثة احتراق الأطفال حديثي الولادة في مستشفى اليرموك، لا يقع اللوم فيها على جهة سياسية معينة، لمجرد كون مدير عام صحة الكرخ من تلك الجهة السياسية، ومدير مستشفى اليرموك التي حصلت فيها الحادثة الأليمة من ذات الجهة السياسية، فليست تلك الجهة هي المكون السياسي الوحيد الذي يقدم مدراء فاسدين في مفاصل حصته الحكومية!المكونات السياسية جميعا يغلب عليها طابع الفساد الاداري، والمحاصصة على مستوى المناصب الفرعية هي أس ذلك الفساد، إذ من المفترض ان تقلّد تلك المناصب على اساس الكفاءة والنزاهة لا المحاصصة الحزبية! ويكفي وصف تلك الجهة بالسياسية لإلقاء اللوم على السياسيين جميعاً بالدرجة الأولى.ما يعاني منه العراق في هذا الجانب هو أزمة إدارة وتنظيم، لا تنفك عن الفوضوية التي يعيشها المجتمع، والتي تمثل حالة دور عجيب بين الحكومة بكافة مكوناتها ومفاصلها والشعب بكافة فسيفساءه، وذلك ما يجعلنا أقرب لليقين من أن المجتمع العراقي يشتمل على أغلبية نوعية تحترف الفساد، ومن ذات الواقع نشأت الحكومة.عندما وأد فلان وليدته في عصر الجاهلية، كان يمتلك عذراً مقبولاً في الأوساط الاجتماعية آنذاك، فقد شاهد بعينه أفعال جدته وأمه وأخته، فكيف سيكون مستقبل ابنته؟! مع إن تلك الحادثة كانت اشبه بثقافة مجتمعية سائدة في بعض المناطق التي شابها الفساد آنذاك!وتلك الحادثة أدينت بلهجة شديدة من قبل رب العالمين، وجعلت فقرة أساسية في الدستور الإلهي للحكومة الإسلامية الجديدة: ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ) إذاً هي أزمة أخلاق بالأساس ومن يدعي النزاهة والعدالة، فعليه أن يضع النقاط على الحروف، بأن يكشف أس الفساد ويعمل على إصلاحه من هناك، أما المهاترات والتسقيط السياسي فذلك شأن الأحزاب والتيارات السياسية الفاشلة والفاسدة، وليس شأن المجتمع والمواطن.حادثة مستشفى اليرموك لم تكن الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، ولن يقتصر الأمر على قطاع الصحة، وانما يشمل جميع القطاعات الأخرى الخدمية منها وغير الخدمية.العراقيون جميعاً مشتركون في تلك الجريمة، شعباً وحكومة، مؤسسات سياسية، ومجتمع مدني، ومؤسسات ثقافية ودينية وسواها.ولو شاء الله تعالى أن ينزل آيات من القرآن الكريم في عصرنا الحاضر، لربما نزلت آية بحق العراقيين جميعاً، مفادها: وإذا المحروقة سُئلت بأي ذنبٍ حُرقت؟!